حسن اليمني
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موقف صعب، إن أنجز تهديده فقد دخلت روسيا مأزقاً لا خروج منه إلا بتغير النظام الدولي، وإن تراجع بلا أثمان تحفظ ماء الوجه فسيجد مصير ميخائيل غورباتشيوف ولا يبدو أن الأمريكان مستعدون لدفع ثمن حفظ الكرامة، وإذن ماذا؟
المخابرات الصينية تسرب خبر أن بايدن يريد جهة تتحمل نفقات ثمن وقوف أمريكا بجانب أوكرانيا، والمعني بهذا لا شك بلدان أوروبا، وتسريب استخباري يؤكد رصد أمريكا وبريطانيا 4.4 مليار دولار لفتح جبهة أخرى في طاجكستان ضد الروس في حال تم الهجوم الروسي على أوكرانيا، وهذا وذاك لا شك معلوم بالضرورة لدى روسيا وهو يعطي إشارة واضحة أن دخول روسيا لأوكرانيا سيكون ثمنه باهظ التكاليف وإن أضفنا لذلك العقوبات الاقتصادية الضخمة التي تزمع الولايات الأمريكية فرضها على روسيا فإن الثمن يصبح قاصماً للظهر.
الأخبار التي ترد عن الحدود الروسية الأوكرانية ساعة كتابة هذه السطور في 19-2-2022م تعطي مؤشرات أن الحرب قد بدأت فعلاً، فقبل يومين ظهرت الأخبار تفيد أن الانفصاليين في دونباس بدؤوا بإخراج السكان من المدن وقامت روسيا بفتح المعابر الحدودية وأنشأت مساكن الإيواء وظهرت في المقابل تسريبات تفيد أن ذلك تهيئة لعمل تفجيرات (صديقة) في البنى التحتية وبعض المنازل واتهام أوكرانيا بهذا العمل كمبرر لاشتعال الجبهة وبدء الحرب وقد تصاعد التوتر فعلاً بين الانفصاليين والجيش الأوكراني بل وظهرت أخبار تفيد بسقوط قذيفتين من أوكرانيا في الأراضي الروسية ويجري التحقيق في ذلك، وهذا يعني أن الأمر جد خطير.
ما يهم الوطن العربي والإسلامي هو تبعات وآثار هذا الأمر، إلى أي حد يمكن أن يتسع وما مدى الأخطار التي يمكن أن تمس أمن واستقرار من لا ناقة له ولا جمل فيما يحدث؟
عودة الحرب الباردة ساخنة هذه المرة تعني أن كل التقاطعات بين القوتين في العالم ستتأثر، ومن هذه التقاطعات وجود روسيا في سوريا وليبيا مع وجود أطراف عربية إسلامية مسلحة يمكن استخدامها من طرف ضد طرف، هذا أمر طبيعي والتفصيل فيه قد يأخذ المساحة في هذه السطور عن غيره والإرهاصات المتوقعة في مثل هذا الحدث يمكن توقعها وهي بالمختصر تغيرات في المنطقة قد تصل إلى تغيير الخرائط السياسية مع ما يتبعه في مجالات أخرى كالاقتصاد والأمن وبالطبع محاور التحالفات السياسية الإقليمية والدولية.
لا وجود لمؤشر حقيقي يمكن أن تعلق عليه الآمال في تجاوز هذه الأزمة بين القوتين الروسية والأمريكية إلا ربما في لقاء يعقد بين بوتين وزيلينسكي في أنقرة كما اقترحت تركيا عدا عن ذلك لا يوجد في الأفق بارقة حل تعيد الأمور إلى طبيعتها، الرئيس بوتين أصبح في وضع قد يكون خاسراً في كلا الاتجاهين سواء أقدم أو تراجع والولايات المتحدة تجد أن هذه المغامرة فرصة لا تعوض لإزاحة القوة الروسية والتفرغ للصين لكن ماذا لو استغلت الصين هذه الأحداث في استعادة تايوان؟
وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف يظهر اقتراح تقسيم بحر ايجه بين تركيا التي تطالب به واليونان التي كانت ترفضه لكن الوضع هناك أي بحر ايجه يبدو أصبح مهيأ لمثل ذلك، ومن هذه النقطة يمكن أن نلمس هدوءاً سياسياً بين تركيا وروسيا رغم علم روسيا بموقف تركيا الداعم بالكلية لأوكرانيا وخاصة في شبه جزيرة القرم، هذا الهدوء البعيد عن الضجيج يمكن أن يستخدم في إطفاء سخونة الوضع القائم الآن على الحدود الأوكرانية وإن كان الأمر صعباً إلا أن الحسابات السياسية المبنية على إدراك حجم المخاطر المتوقعة والمصالح والمنافع التي سيعطيها مثل هذا الاتجاه لروسيا وخاصة مع تركيا ربما يكون هو الثمن الأفضل والأكثر ربحية لروسيا من الغوص أكثر في مواجهة أمريكا خاصة وأن الغرض الحقيقي الذي من أجله اشتعلت الأزمة يكمن في مخاوف روسيا من تمدد حلف النيتو لأوكرانيا أو إنشاء قواعد عسكرية وبحكم قوة العلاقة بين تركيا وأوكرانيا فيمكن أن يتحقق اتفاق أما فيما عدا ذلك فالعالم ربما يدخل في وضع مختلف يتغير معه النظام الدولي الذي نعيشه اليوم.