عبده الأسمري
تأتي التجارب في محطات من العمر لتجعل الإنسان أكثر بصيرة وأعلى تبصراً وأعمق تدبراً في الحكم على الآخرين وفي التعامل مع الغير وفق استعداد ذاتي يضع الأمور تحت «مجهر» المنطق وفي متن «العدل».
تمتلئ «الحياة» بالكثير من المواقف التي تبرز اتجاهين من تعاملات البشر أحدهما ينتمي إلى «جانب» الفطرة «الأبيض» الذي يعكس «الصفاء» والآخر إلى مجال «الأنانية» الأسود الذي يؤكد «السوء».
تكتظ «الذاكرة» بالعديد من التجارب والدروس التي تشكلت للإنسان لتضعه أمام معايير «العبر» وتستوقفه وسط مقاييس «الاعتبار» فهنالك أنفس تتشكل وفق أهواء «الذات» وقلوب تتلون حسب «مصالح» النفس» ويبقى النقي في ذلك من انطلق في تعاملاته ومعاملاته وردود أفعاله وفق «فطرته» وعلى «سجيته» بعيداً عن لبس الأقنعة.
في محيطنا الاجتماعي من يجيد «التزييف» ومن يمارس «الزيف» فيحتال بالحديث ويخادع بالوعود ويراوغ بالأقوال وما أن تضعه في «موقف» حقيقي و»اختبار» واقعي حتى تجده «راسباً» في التعامل وفي النتائج وما أن حاولت تعديل سلوكه فإنك ستتفاجأ بأنه يكرر «الرسوب» وتخرج النتيجة «بائسة» تحمل علامات الاستفهام والاندهاش والاستغراب.
مهما حاول البعض لبس الأقنعة فإنها لا تستمر فالخداع وسيلة «مؤقتة» والاحتيال «غاية» وقتية فيظهر «الجانب» الخفي كناتج «حتمي» من معادلة تثير «السخرية» كان فيها المتورط في السوء شخصية تعيش وتتعايش برداء مموه مخادع وبقناع مزيف وخادع تمت حياكتهما بخيوط «المصالح».
الحياة مدرسة والكل فيها تلامذة هنالك من تصقله التجارب وتؤهله المشارب وترفعه المعارف ليتحول من «تلميذ» مستمع إلى «أستاذ» ناصح ويبقى النجاح على طاولاتها وفي ميادينها ووسط دروبها مرهون بتجاوز «العقبات» واجتياز «العوائق» والوصول إلى مستوى من «النضج» تجعل الإنسان في اتجاهات متزايدة من «الوعي» الذي يصنع له «الثبات» وأبعاد متواصلة من «السعي» الذي يضمن له «الإثبات»..
من المؤلم أن بعض «النماذج» البشرية يسيرون في «اتجاه» معاكس ما بين تقدم العمر وتأخر الوعي مستغرقين في «سبات» الروتين وغارقين في «جمود» الآمال فتنقضي السنين باتجاه «المحطات» الأخيرة من الحياة وتتقادم الأيام معلنة «الاقتصاص» الجبري من سنوات الأجل لتأتي «النهايات» محزنة بلا «فوائد» مرجوة ولا «منافع» مأمولة..
منذ ذلك اليوم الأول الذي انحفرت فيه صورة «المدرسة» ووجه «المعلمين» وألوان «الفصول» وحتى ذلك الحين الذي تعلن فيها «ساعة» الرحيل تتشكل الحياة في صور متعددة ومشاهد متمددة من «الدروس» والتي تأتي أمام البشر ويتباينون أمامها بين فئتين جمع يقرأها ويستقرأها ونوع يتجاهلها ويجهلها.
هنالك من «رحل» وأبقى «الأثر» وهنالك من «غادر» وترك «التأثير» واليوم الذي تشرق شمسه والإنسان حي فإنه سيتنفس «فرصة» واعدة و»هدية» ثمينة للاقتراف من «مشارب» الخير والنجاة من «مسارب» الشر.. لذا فإن هذه الاشراقة كفيلة بتسجيل العديد من البصمات على وجه الحياة المبهج.
تتباين أمنيات البشر بين مسارات مختلفة وتختلف آمال الناس وسط مدارات متنوعة.. هنالك من يميل كثيراً إلى «حب» الدنيا مرجحاً كفتها دون النظر إلى «حتمية» الاتزان متجاهلاً مصيرا «محتوما» يقتضي جمع «الغنائم» من أرض الحياة في ظل «موازين» عادلة وزعت «عطايا» الصبر على «الشقي» ومنحت «هدايا» الشكر» على «السعيد» في منح «ربانية» توزع «المساواة» بكل تفاصيلها ومعانيها بين كل الخلائق.
كل ما يمر بالإنسان في محطات العمر «جملة» من التجارب الذي تقتضي «التوقف» أمام عناوينها و»الوقوف» حول معانيها و»التأمل» وسط تفاصيلها و»الاعتبار» بشأن نتائجها وصولاً إلى تشرب «النفس» للفوائد وامتلاء «الروح» بالمنافع والظفر بالتمكن في التفريق بين «معادن» البشر والتطبيق عند «استقبال» الأحداث والاقتناع بالمصير والاستعداد للرحيل..
تختزن «ذاكرة» الإنسان العديد من التجارب التي تتحول مع «الزمن» إلى أصداء تتردد في العقل وتتمدد وسط النفس تتشكل كأحداث واقعية تجمع في أجزائها «الوجوه» و«المواقف» و«الإحداث» و«الأنباء» و«الوقفات» و«الظروف» و«الأزمات» و«التعاملات» لذا يجب النهل من معينها بالتدبر والانتهال من منبعها بالتفكر وصولاً إلى «صياغة» الحياة بتجديد مختلف يتواءم مع المعطيات ويحافظ على «الأصول»..