استهواني شغف البحث وذكريات الطفولة لتقصي التنمية العمرانية لمدينة «قرية العليا» الواقعة في الصمان ذات البعد الإستراتيجي ودور رجالها في معاضدة المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز - طيَّب لله ثراه- في رحلة توحيد المملكة. كما اطلعت على العديد من المراجع التاريخية لتتبع تاريخ نشأتها ومراحل تطورها - وسأفرد عنها مقالاً بإذن لله - ولكن ما لفت انتباهي هو أن الدولة السعودية منذ تأسيسها قبل (300) سنة وهي رحمة من لله للجزيرة العربية برز فيها جهود القادة الأفذاذ الأئمة والملوك وأبنائهم، بعد أن كانت الجزيرة العربية فيما مضى مضرب المثل في الفوضى والفرقة والافتقار إلى الاستقرار.
فقيام الدولة السعودية المباركة ومسيرتها وكفاحها ونضالها على يد أئمة الدولة السعودية وملوكها، وتوحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه لله - جنب السعودية وطناً والسعوديين مواطنين - بحمد لله - ما كان عليه واقع الجزيرة العربية من التشتت السياسي والاجتماعي والفرقة وعدم الاستقرار، وقضى على النزاعات والحروب والغزو والنهب والسلب، ونشر الأمن والأمان وحقق الوحدة والتنمية العمرانية والنهضة والرفاهية.
وقد اتضح تمسك أئمة الدولة السعودية وملوكها بالقران والسنة دستوراً، وقُدمت الكثير من التضحيات في سبيل ذلك وصمدوا أمام محاولات القضاء عليها حتى عندما أُسروا في بعض معارك الدولة السعودية الأولى والثانية ووضع السيف فوق رؤوسهم ولكنهم صمدوا ولم يتراجعوا ثم مكنهم الله وانتصروا، وبهذا اتضح للجميع أن الدولة السعودية وطبيعة حكامها وسكانها الإيمان بالوحدة والاستقلالية.
كما تميز أئمة الدولة السعودية وملوكها في صناعة أبنائهم القادة وإبرازهم - وهذا هو ديدن الآباء وطريقتهم - حيث كان من أبرز أئمة الدولة السعودية الأولى الإمام
عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ابن مؤسس الدولة السعودية الأولى) حكم لمدة 38 سنة من أصل 94 عامًا من عمر الدولة السعودية الأولى؛ بينما كان فيصل بن تركي بن عبدلله بن محمد بن سعود ممن برز في الدولة السعودية الثانية (ابن مؤسس الدولة السعودية الثانية) وحكم لمدة 22 سنة من أصل 69 عامًا من عمر الدولة السعودية الثانية.
وعلى خطى الآباء وطريقتهم في صناعة القادة وإبرازهم فإن المغفور له الإمام عبدالرحمن الفيصل - آخر أئمة الدولة السعودية الثانية - لم يهدأ له بال ولم يقف مكتوف الأيدي بعد سقوط الدولة، بل سعى ابنه عبدالعزيز لاسترداد الدولة وإعادة الأمن والاستقرار بالمنطقة. ومع تقدم الإمام عبدالرحمن الفيصل بالعمر ظل داعمًا وعاضدًا لابنه المؤسس الملك عبدالعزيز- طيَّب الله ثراه- في رحلة توحيد المملكة، ومن أبرز مواقفه الشجاعة رده للهجوم على مدينة الرياض عندما كان الملك عبدالعزيز خارجها في جهوده الحثيثة ومسيرته الشاقة لتوحيد البلاد.
ختامًا، على نهج أئمة الدولة السعودية وملوكها وخصوصاً والده وجده عبدالرحمن الفيصل، نجح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه لله - في صناعة القادة والتنمية والمستقبل، فقد برز للجميع روح الإصرار لرسم المستقبل وبلوغ القمة الذي تجلّى في سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه لله- في قصة نجاح صناعة الرؤية والمستقبل وفهم التوجهات والمعطيات المحلية والدولية.
فقد تخرَّج الأمير محمد واستقى الفكر والممارسة والطموح والتطلعات من تتلمذه وتدربه على يد والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فسموه مُتمسكًا - على نهج أئمة الدولة السعودية وملوكها- بدستور السعودية القرآن والسنة، ويسير بثقة لصناعة المستقبل والارتقاء بالوطن والمواطن، ومحققًا للإنجازات، وواقفًا في وجه الأطماع والأعداء والمفسدين ... حفظ لله مملكتنا الغالية وأمد المولى بعونه ورعايته قيادتنا ومكنهم ونصرهم وأعزهم وزادهم شرفًا.
** **
د. سامي بن عبدلله الدبيخي - عضو هيئة التدريس بكلية العمارة والتخطيط - جامعة الملك سعود