أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
نشأة الدولة السعودية في القرن التاسع الهجري
نشأت الدولة السعودية في منتصف القرن التاسع الهجري (850هـ) في بلدة الدرعية بوادي حنيفة، وبلدة الدرعية في وادٍ خصيب تنتظم القرى فيه من أعلاه إلى أن يتجه للخرج، ففي أعلاه سدوس والعيينة والجبيلة والوصيل والعمارية ثم الدرعية وعرقة وبالقرب من الدرعية حَجْر (الرياض)، فالدرعية درة الوادي، ففيها مزارع النخيل وأشجار الفواكه ومزارع القمح وغيره، ولها سمعة بأنها بلد الخصب والنماء، فهي تجذب الآخرين إلى الاستيطان فيها ولذلك قصدها مانع بن ربيعة المريدي جد آل سعود بعد أن اتفق مع ابن عمه ابن درع على الاستقرار في وادي حنيفة. وبما أن مانع بن ربيعة وابن درع من حنيفة ثم من بكر بن وائل، فرؤيتهما أن يكونا يدًا واحدة في حماية وادي حنيفة، ولذلك استقر مانع في المليبيد وغصيبة. ووادي حنيفة منذ القديم لبنو حنيفة، وقد أحس ابن درع بأن القبائل الأخرى تهدد أمن الوادي بما فيه الدرعية، فاستِنجادُ ابن درع بمانع المريدي له أبعاد سياسية واقتصادية.
هذه حال الدولة السعودية في أيام نشأتها؛ مشاركة في حماية وادي حنيفة وتكاتف لحماية وادي حنيفة.
الدرعية في القرن العاشر الهجري:
ثبَّتَ مانع المريدي ملكه فكثر الوافدون عليه من طالبي العمل ومن الموالفة الذين يألفون زعماء القرى فيقطنون بجوارهم في شهور الصيف ليجدوا الماء والأعلاف لإبلهم وأغنامهم وخيلهم، وصداقات المريدي مع زعماء القبائل أكسبته الشهرة فعرف بالكرم والجود وحسن المعاملة. وينصرم القرن التاسع الهجري بموت مانع المريدي الذي أسس دولة وأقام ملكاً لأبنائه فيخلفه ابنه ربيعة، يقول ابن عيسى في تاريخه: «ثم إنه لما مات مانع المريدي تولى بعده ابنه ربيعة وصار له شهرة وكثرت جيرانه من الموالفة وغيرهم وحارب آل يزيد(1)»، ويقول ابن بشر في تاريخه:
«ثم وُلِدَ لمانع المذكور ربيعة وصار له شهرة واتسع ملكه،»(2)،
الدرعية في القرن الحادي عشر الهجري:
تميز هذا القرن من عمر الدولة بالاضطراب السياسي لعدد من البلدان النجدية من ناحية وبوفرة العلماء، منهم:
1 - عبدالله بن ذهلان قاضي الرياض.
2 - محمد بن ربيعة العوسجي قاضي ثادق.
3 - عبدالوهاب بن سليمان بن مشرف قاضي العيينة.
4 - أحمد بن محمد المنقور قاضي حوطة سدير.
5 - سليمان بن علي بن مشرف قاضي العيينة.
6 - إبراهيم بن محمد بن إسماعيل قاضي أشيقر ثم القراين.
ومما يدل على تبحر هؤلاء في العلم أن بعض القضايا بُسِطَ القول فيها في عشرين صفحة مما يدل على سعة أفق القاضي واستحضار الأدلة من القرآن والحديث وما اتفق عليه العلماء السابقون قبل عصر القاضي.
الدولة السعودية في القرن الثاني عشر الهجري:
وقد حكم الدرعية في هذه الفترة سعود بن محمد بن مقرن وزيد بن مرخان، ولما عاد من العيينة محمد بن سعود بعد غَدْرَة ابن معمر أسس دولة قوية سنة 1139هـ.
هذا البطل المغوار الذي نجا من القتل وعاد إلى الدرعية، هذا البطل هو الذي اختار الملك سلمان بن عبدالعزيز بداية حكمه في سنة 1139هـ ليكون (يوم التأسيس)، والملك سلمان صاحب رؤى وهذه واحدة من رؤاه. إن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي أسس حكماً ثابتاً وإن كان حكام الأسرة المريدية قد أسسوا الحكم قبل زمنه، فقد حكم الدرعية قبل محمد بن سعود مانع المريدي ثم ابنه ربيعة بن مانع ثم موسى بن ربيعة ثم إبراهيم بن موسى ثم مرخان بن إبراهيم، إلى أن آل حكم الدرعية إلى سعود بن محمد والد محمد بن سعود.
تميز حكم محمد بن سعود بالتوسع فلم تعد الدرعية الدولة وإنما الدولة المدن والقرى التي امتدت إليها وحدة الدولة التي أسسها محمد بن سعود صاحب النظرة البعيدة المشتملة على الإصلاح وتحسين معيشة الحاضرة والبادية وكف الظلم وأخذ القاتل وتنفيذ القصاص فيه، فالظلم الذي كان سائراً تلاشى بسبب ما اتخذه الحاكم من ردع أخاف المتجبرين وأوقفهم عند حدهم، فإنصاف المظلوم أراح القلوب، وتوفي المؤسس محمد بن سعود سنة 1179هـ بعد أن ترك لابنه عبدالعزيز دولة ثابتة الأركان عزيزة الجانب دستورها القرآن والسنة تحكم بشرع الله ولا تخشى لومة لائم، وتوسعت الدولة في حكم عبدالعزيز توسعاً أكسبها الهيبة.
الدولة السعودية في القرن الثالث عشر الهجري:
شهد هذا القرن انتصارات الدولة السعودية في حكم الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثم في حكم الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود وحكم الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود، فحكم عبدالعزيز من سنة 1179هـ إلى سنة 1218هـ، وحكم سعود من سنة من سنة 1218هـ إلى سنة 1229هـ، وحكم عبدالله من سنة 1229هـ إلى سنة 1233هـ، فمحمد بن سعود مات على الفراش، وابنه عبدالعزيز طعنه رجل مدفوع من الدولة العثمانية المعتدية في صلاة العصر في جامع الدرعية، وسعود مات على الفراش، وعبدالله أمسكه إبراهيم باشا في الدرعية وأرسله إلى استانبول وقتل فيها، فأيام هؤلاء الأربعة محمد بن سعود وعبدالعزيز بن محمد وسعود بن عبدالعزيز وعبدالله بن سعود أيام انتصارات، فقد كونوا دولة ضمت أجزاء الجزيرة العربية فساد الأمن وانتفى الخوف وساد حكم الشريعة، فأصبح ابن الجزيرة العربية يسير بلا خوف ويسافر بلا رفقة تصحبه عناية الله في كل موطن. انتهت الدولة السعودية ولكن هل تدوم الغُمة، لا لا تدوم فآل سعود فيهم رجال: إذا مات منا سيد قام سيد أسرة أصالة وتربية أبطال، فلم يمض عقد من الزمن إلا وينهض الإمام تركي بن عبدالله شاهراً سيفه في وجه الأعداء فجمع الشتات وأيقظ الهمم فنبذ العجز وشرع في إنشاء الدولة من جديد حيث اتخذ الرياض عاصمة له بدل الدرعية المدمرة، فاسترجع معظم أراضي وبلدات الدولة السعودية فيُقتل تركي بن عبدالله غيلة ويقوم بالأمر بعده ابنه فيصل بن تركي فيسود الأمن وتأمن السبل ويطمئن أبناء الجزيرة إلى الحاكم العادل فيصل بن تركي، ويموت فيصل بن تركي ويدب النزاع الداخلي ودام النزاع والخلاف إلى أن قضى على الدولة السعودية.
الدولة السعودية في القرن الرابع عشر الهجري:
هل تزول دولة وفيها أبطال من أمثال محمد بن سعود وتركي بن عبدالله وعبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود البطل المغوار مسترد الرياض وهازم الأعداء، لازمه النصر في حروبه فالخوف من الله أمام عينيه يبتعد عن الظلم ويعطي كل ذي حق حقه، صاحب رأي وبصيرة يمهل العدو إلى أن يستعد للقتال، أعجز الأبطال وهزم أصحاب الرأي برأيه، فالقاصي والداني أعجب بالملك عبدالعزيز لما يتمتع به من صفات القيادة وحسن الرأي وعَدْل المعاملة والرفق بالخصم حتى يستبين له الطريق، بنى دولة عصية على الأعداء توافر فيها الأمن وساد الرخاء وأشرق فيها نور العلم فأصبحت دولة عصرية شاركت دولة العالم في بناء المؤسسات الأممية مثل الأمم المتحدة وما تفرع منها من مؤسسات تخدم العالم أجمع، تفجر النفط في حكمه فسعد بذلك لأنه يدعم خزينة الدولة فيتوسع التعليم وتتهيأ المعيشة لكثير من الناس ويرحل الملك عبدالعزيز من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية فيخلفه في الحكم ابنه سعود، فيزدهر العلم في حكمه وتتحسن صحة الناس وتتاح المعيشة لأنه حاصر الفقر والجهل والمرض، ويحكم فيصل بن عبدالعزيز بعد سعود بن عبدالعزيز.
الدولة السعودية في النصف الأول من القرن الخامس عشر الهجري:
آل الحكم إلى الملك خالد فتضاعفت دخول عامة الناس فسعد الناس بسعة الرزق، وهل هناك سعادة تضاهي تضاعف الدخل وشراء الإنسان ما يريد من لوازم المعيشة والحصول على السكن والمركب، سعادة الإنسان في توافر المعيشة لأبنائه، ويؤول الحكم بعد خالد إلى الملك فهد صاحب الرأي السديد، وبعد الملك فهد يحكم الملك عبدالله، ويحل في كرسي الحكم بعد الملك عبدالله الملك سلمان الذي ننعم الآن في أيام حكمه وقد أصدر في هذه الأيام أمراً ملكيًا بـ(يوم التأسيس) أي تأسيس الدولة السعودية في أول حكم محمد بن سعود سنة 1139هـ.
هذا عرض موجز لدولة الستة قرون أدام الله عزها ونصرها على أعدائها ووفق ملكها سلمان وولي عهده محمد بن سلمان إلى كل خير.
... ... ... ... ...
(1) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ووفيات بعض الأعيان وأنسابهم وبناء بعض البلدان من (700 إلى 1340هـ) تأليف إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270-1343هـ ص36).
(2) عنوان المجد في تاريخ نجد، تأليف العلامة المحقق الشيخ عثمان بن بشر النجدي الحنبلي 1/ 20.
(3) معجم اليمامة لعبدالله بن خميس 2/ 380.
(4) عنوان المجد في تاريخ نجد ص 20 و21.
(5) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد لابن عيسى ص37.
(6) عنوان المجد في تاريخ نجد ص21.
(7) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد لابن عيسى ص37.
(8) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد لإبراهيم بن عيسى ص38 .