محمد بن عبدالله آل شملان
ليس غريباً على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله- أن يصدر أمره الكريم القاضي بأن يكون يوم «22 فبراير» من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم «يوم التأسيس»؛ لأنه يتحدث عن تاريخ مؤسس عظيم شاء الله تعالى أن يكسر منظومة التشتت، معتمداً شعار الوحدة عملاً لا قولاً، وتعاوناً لا خداعاً.
فالإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن أجزل الله مثوبته، وشمله بواسع عفوه ومغفرته، كان يضع في مقدمة اهتماماته القضاء على الفوضى السياسية التي كانت في الجزيرة العربية، حيث كانت كل بلدة وإقليم في حكم مستقل نسبياً، بشكل لا يلبي المتطلبات الدنيا لقيام أي حضارة أو ازدهار أو ثقافة، وقد كانت تلك البلدان والأقاليم دائمة القتال والحروب فيما بينها وكانت الفرقة والتشتت شعارها كما كانت لبعض القوى نفوذ عليها.
فتوجّه إلى ربه يسأله عونه، ثم انطلق بمن معه من الرجال الذين يشاركون صدق الإيمان والطموح فابتدأ بمدينته «الدرعية» ووحَّد شطريها، وجعلها تحت حكم واحد، بعد أن كان الحكم متفرقاً بين مركزين لها، وحقق لها الاستقلال السياسي التام عن أي قوة خارجية، كما سجل التاريخ حرصه على الاستقرار في منطقته، وشهدت تلك المدينة المشرفة على وادي حنيفة استقرارًا كبيرًا وازدهارًا في مجالات متنوعة.
وكان الأئمة من أبنائه عند حسن الظن بهم، فحملوا عبء المسؤولية، وصانوا الأمانة إيماناً بالله، وإخلاصاً لدينه.
وفي مثل هذه الظروف يتعيَّن على كل مواطن أن يتوجه لله بالحمد والشكر على نعمة التوحيد فـ: «اللهم ما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، اللهم أوزعنا شكر نعمتك، اللهم لك الحمد بجميع المحامد على جميع النعم».
«سلمان».. برسالة تاريخية
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله-،: اسمح لي أن أقول لك ما قاله المتنبي لسيف الدولة:
ولكنْ تفوقُ الناس رأياً وحكمة
كما فقتهم حالاً ونفساً ومَحتِدا
يدِقّ على الأفكار ما أنت فاعل
فيُترك ما يخفى ويؤخذ ما بدا
الإنجاز التاريخي الذي حققه الإمام محمد بن سعود بن مقرن في عام 1139هـ الموافق 1727م، يرعاه اليوم الابن الخامس والعشرون للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي أسس المملكة العربية السعودية، الابن الذي هو الحفيظ على الإنجاز التاريخي في كل مجال.
الحفيظ على الإنجاز التاريخي بالإضافة الراهنة الجديد: توسعاً في التعليم ونمواً في الزراعة والصناعة وترسيخاً للوحدة وتعزيزاً للأمن والدفاع ووفرةً الخدمات في الخدمات: الصحية والإسكانية والاتصالية.
والحفيظ على الإنجاز التاريخي باستصحاب مبادئه في السياسة الدولية، حكمة واتزاناً وتعاوناً إنسانياً كريماً وتحقيقاً للمصالح وصوناً للكرامة وتوطيداً للمكانة والمهابة.
والحفيظ على الإنجاز التاريخي بمدّ أصوله الشرعية في شعب الحياة والمجتمع والدولة: نظماً قضائية وإدارية واجتماعية وسياسات تعليمية وإعلامية وصحية واقتصادية.
والحفيظ على الإنجاز التاريخي بالقرار الكريم لهذه الذكرى، الذي يتخذ من تلك الذكرى بهجة وزهواً.
وشعب المملكة العربية السعودية مسرورون بذلك القرار الكريم، لأنهم يعلمون أنه يمثل الاتصال الحي المباشر بين التاريخ والواقع.
ومسرورون بهذه المبادرة، لأنهم يرون أنها مبادرة منبثقة من الوفاء للمبادئ والقيم التي عاش بها ولها الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى، وللإمام تركي بن عبدالله مؤسس الدولة السعودية الثانية، وللملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة -رحمهم الله-.
ومسرورون بهذه المبادرة، لأنهم يعلمون أنها مبادرة منبعثة من وفاء الابن الوفي للمؤسسين، الذين أخلصوا العمل واستعذبوا الجهاد والتضحيات في خدمة دينهم ووطنهم.
ومسرورون بهذه المبادرة، لأنهم يدركون أنها مبادرة تترجم حقيقة تاريخية واقعية: وهي أن أعظم ما تركه الإمام محمد بن سعود - بعد المبادئ والمثل - رجالاً كباراً حملوا الأمانة بشرف، وواصلوا المسير بعزم، وأن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الكبير اليوم على رأس هؤلاء الرجال، حارساً للكيان وقائداً للوطن وراعياً لمصالحه.
في الدرعية.. تاريخ ومستقبل
مكانٌ عند خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- ليس كمثله مكان في العالم، من أقدم الأماكن في المملكة حيث العاصمة الرياض، لا يستطيع القلب إلا أن يحبه، تأسره بحضارته وعراقته وتجربته وعاطفته، هو بالنسبة للملك سلمان وللسعوديين بمثابة البخور الذي ينتشر شذاه ليتغلغل في الأنحاء، وكرائحة القهوة اللذيذة التي لا نستطيع مقاومتها، فلا يبرح الفؤاد أبداً.
«الدرعية» هذا المكان الأخّاذ، صنو التاريخ والحضارة والألق، الأغنية الخالدة لكل للأبناء والأحفاد، كل حجر فيها ينطق بحكايات البطولات والأمجاد، فإذا اعتليت أعلى مرتفع في حي الطريف، رأيت مشهداً قلَّما تجد له مثيلاً في الأرض المعمورة؛ إذ ينام هذا المكان في حضن تاريخ نابض بالحياة، منذ عام 1446م وحتى الآن، يتلألأ فيه المكان أمامك بكل شوارعه وأزقته وبيوته، ترى معالمه العريقة مثل: منطقة البجيري التاريخية، ومنطقة سمحان، وحي غصيبة، وحي سمحان، ترى عمق التاريخ وتسمع صليل السيوف وحوافر الخيل، وهي تفتح المكان أمام الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب، لتكون الدرعية حاضرة من حواضر مجد الدولة السعودية الأولى وعاصمة لها، تسمع كتاب الله تعالى يتلى في جنباتها، وتسمع صرير تسجيل الكتب وتأليفها.
وإنَّ ما جاء به قبل خمس سنوات، وتحديداً في عام 2017م، من أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بتأسيس هيئة تطوير بوابة الدرعيّة، لهو من ربط الماضي بالحاضر ودرس عملي في حب الوطن والتاريخ، فحركة التطوير والبناء في الدرعية الآن لا تهدأ، وما رأى النور من مشاريع، قليل من كثير ينتظرها من مسيرة نهضة تنموية، رسم خطوطها العريضة الملك سلمان، الذي أخذ على عاتقه تحويل المكان المستلقي في أحضان التاريخ إلى جنة خضراء، وإبرازه كمركز للأنشطة المجتمعية والثقافية، إلى جانب تعزيز مكانته كوجهة سياحية دولية رائدة، ليكون من أهم أماكن التجمعات السياحية في العالم، من خلال تقديم الفن والموسيقى والأزياء والترفيه للضيوف من جميع الأعمار.
لقد حظي مشروع «بوابة الدرعية» في اليوم التاسع عشر من شهر نوفمبر عام 2019م، بتدشين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بحضور سمو ولي العهد، حيث اتحدت السواعد، والتقت إرادتهم على أن يكون للدرعية ذكراها الشامخة، فكان لها الميلاد المبارك السعيد، الذي جعل من هذا الوطن بلداً عظيماً، بما توفّر له من سياسة راشدة، تحكم بالمحبة والحكمة، وتُدير شؤونه بما يرتقي بالوطن والإنسان إلى المكانة العالية، فكان من الوفاء لهذا المكان التاريخي المجيد في تاريخ الوطن، أن تكون هذه المنارة الجليلة (الدرعية) لها حقَّ العز والفخر في قلب كل مواطن شريف.
معركة المستقبل
وطننا وهو يحيي ذكرى تأسيسه بعد مرور أكثر من ثلاثة قرون، هو يعيش في معركة مع المستقبل، فلقد وضع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظهما الله- لمحات بارزة في الرؤية السعودية 2030 سيراً على نهج المؤسسين -رحمهم الله- لصناعة المستقبل من أجل الأجيال القادمة، من خلال التغيير الشامل والتحرّك بشكل كامل في المنظومات الإدارية للعمل التي تمنح تحقيق تحولات كبرى في مجال العمل الحكومي في وطننا الحبيب واقتصاده وتجارته وكافة قطاعاته، وتوسيع خارطة إنجازاته، والارتقاء بمكانته على المستوى الدولي في مسار الاقتصاد والتنمية، وإبراز القيمة والأثر من شراكاته العالمية، وموقعه الإستراتيجي، بالإضافة إلى تمكين المرأة والشباب، وتحسين جودة الحياة للجميع.
التحرك الإيجابي الكامل، الذي نصفه بالتغيير السريع والسباق من القيادة الرشيدة - أعزها الله -، في هذه المرحلة التي تشكل منعطفاً وطنياً مختلفاً على جميع الأصعدة، يأتي وهدف القيادة الرشيدة المرحلي على المستقبل، كما يؤكِّد الملك سلمان: «المملكة العربية السعودية ماضية نحو تحقيق كل ما يعزز رخاء المواطن وازدهار الوطن وتقدمه وأمنه واستقراره، والتيسير على المواطن لتحقيق مختلف المتطلبات التي تكفل به حياة كريمة بإذن الله»، وقوله: «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على الأصعدة كافة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك».
والتغيير الشامل والتحرك الضخم الجديد الذي يرسمه سمو الأمير محمد بن سلمان لمسار وطننا نحو مستقبله الذي ينشده، يردف إلى جانب العزيمة والإصرار، حزماً كبيراً، يجهَّز سموه له الطاقات والمواهب كافة، وهذا ما يشدّد عليه محمد سلمان في رسالته لجميع أبناء الوطن بقوله: «نحن نسابق الزمن، لا نريد أن نتأخر، وفي الوقت نفسه نريد أن نعمل بشكل احترافي وعالٍ جداً»، تماماً كما يعمل على تجديد التفاؤل والثقة بتأكيده أن «المملكة تتقدم بخطى ثابتة في برنامج ضخم يهدف إلى التطور والتغيير.. وطموحنا لا حدود له»، معتمداً كما قال علي: «لن ننظر إلى ما قد فقدناه أو نفقده، بالأمس أو اليوم، بل علينا أن نتوجه دوماً إلى الأمام».
الدعاء.. وفرحة فبراير
وإذ ينهض خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله -، بقراره الكريم، أسأل الله تعالى أن يحفظ مقامكم الرفيع سانَّاً احتفالية فيها إشارة لمجد المملكة، ومهتماً بكل نشاط تاريخي، وراعياً للنهضة الكبرى في وطننا، والذي هو بمثابة الشجرة الباسقة المورقة لمثمرة التي غرس جذرها الإمام محمد بن سعود، وأن يحفظ ولي عهدكم الأمين سنداً لكم وعضداً.
اللهم ارحم الإمام محمد بن سعود رحمة واسعة.
اللهم ارحمه ما عزَّت تعاليم الإسلام منهجاً للحكم وقواماً للدولة.
اللهم ارحمه ما عزَّت مسيرة الدولة السعودية بأعماله ومنجزاته.
اللهم ارحمه ما سعد الشعب بالوحدة القوية الراسخة.
اللهم ارحمه ما تمتع الشعب بالأمن المكين والاستقرار الواعد والعيش الرغيد.
اللهم ارحمه ما وجدت الأجيال في كل مجال قاعدة راسخة للإصلاح والبناء والإعمار.