د. جاسر الحربش
معادلة الحكم السعودي التي قاومت كل تحديات الخارج وما تعامل ضدها مع الخارج في الداخل كانت وما زالت هي المعادلة الناجحة الجامعة قدر المستطاع الممكن بين صلاح الدنيا والآخرة. منذ أن فتح الله علي باستقراء تواريخ الأمم المقارن أدركت أن صلاح وقرار الحاكم المستنير يسبق حماس المفتي والواعظ. المفتي والواعظ والفقيه لا حول ولا إمكانات لهم للتأثير والانتشار بدون حماية حاكم مصلح حازم يكون قد سبقهم إلى اتخاذ القرار في إدارة مجتمعه بطريقة رشيدة ومفيدة.
الحوكمة الرشيدة تتوخى أقصى الحدود الممكنة لتحقيق العدالة التشريعية والتنفيذية. ذلك يوجب تشريعاً ويمكن تنفيذاً من حفظ النفس والعرض والمال والتعبد دون إكراه، بتطبيق مقاصد الشريعة المتسامحة نصوصاً قبل المتشددة تفاسير واجتهادات فقهية. الحوكمة المفيدة تركز على مبدأ أن الناس في تيار الحياة الاجتماعي العام أدرى بشؤونهم المعيشية، وكل ما يحتاجونه هو توفير العلم واكتساب المهارات التقنية والصناعية والزراعية وإمكانية المقارنة لأحوالهم بمن سبقوهم إلى التقدم والتطور أو تخلفوا عنهم من شعوب الأرض، وهذا هو المتحقق الماثل في الدولة السعودية الحديثة.
ملخص المعادلة السعودية في جملة واحدة هو شعور المواطن بالأمن على النفس والعرض المال والتعبد دون إكراه، وقناعته بأن مردود جهوده الإنتاجية العملية والفكرية سيعود إليه وأهل بيته وذويه أولاً، ثم لعموم المجتمع والدولة، وكلما زادت حصته ارتفعت إنتاجيته وتعمق ولاءه الوطني.
بهذه المعادلة في الحكم والإدارة تحقق تاريخياً للدولة السعودية الأولى الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاكتفائي إلى أن هوجمت من الدولة العثمانية من الخارج، وبنفس المعادلة عادت وحكمت الدولة السعودية الثانية واستقرت الأمور المعيشية ولو في حدود جغرافية أصغر، إلى أن هوجمت من متعاونين مع الدولة العثمانية مرة أخرى.
الاستنتاج من الحقيقتين، الأولى أن سقوط الدولة الأولى والثانية كان سببه الغزو الخارجي المباشر أو بفعل متعاونين معه من الداخل، ومن الحقيقة الثانية أن النهوض والعودة مرة أخرى كان نابعاً من شوق العباد والبلاد للرجوع إلى ما كانوا عليه من الأمن وتبادل المنافع والحركة دون خوف باستعادة الحكومة الشرعية والتخلص من الدولة البديلة العميلة.
في الاحتفال بذكرى التأسيس يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع تحفيز للمواطن في هذه البلاد المباركة على أهمية المقارنة بين العيش في ظل دولة تتوخى صلاح الدنيا والآخرة، أو العيش في الفوضى بلا أمن ولا أمان على النفس والعرض المال دنيوياً وبلا دين يربط الناس روحانياً متوخين به صلاح أمورهم في الآخرة.
وآخر الكلام: على المنصف العاقل أن يقارن دون حث ولا تذكير بين أوضاع دنياه وآخرته في وطنه المملكة العربية السعودية، مقابل أوضاع دول من حوله تمزقت إلى أشلاء وكانتونات بين ثورات عنيفة أو طائفية مؤدلجة وتيارات مذهبية إرهابية. من أوتي نعمة فليشكر الله وليسأله الدوام والمزيد من صلاح الدنيا والآخرة.