علي الخزيم
اللَّزقة: صفة ابتكرتها العامَّة تُطلق ببعض أنحاء المملكة على الشَّخص اللَّزج المُتحذلق الحريص على معرفة كل ما يعنى ويحيط بمعارفه وجيرانه وأهل بلدته وبقية سكان الكرة الأرضية وكأنه مُوكَل بهم ومكلف بمتابعة سيرتهم وما يَمُر بهم من أحداث، وأحياناً ينعتونه بصفة (ثقيل الطِّينة)! والويل لمن يُتْعِسه حظّه بالجلوس بجانبه بالمناسبات والأفراح والتجمعات العائلية؛ فسيُعاني من الصداع وضيق النَّفس والتوتُّر وارتفاع معدلات الضغط وسُكَّر الدم؛ ومن ثم سيكون القولون على موعد مع الاضطرابات المُحرجة الداعية لمغادرة المكان للخارج؛ ليس للمنزل إنما لأقرب طبيب يصف له مهدئات وعلاجات لمنع مضاعفات قد تسبب الجلطات القلبية والذبحات الصدرية لا قدر الله، هذا حال من لا يعرفه مسبقاً، أما من عرفوا صفاقته وخِفَّة عقله و(دباقة) تدخلاته بما لا يعنيه فانهم قد استعدوا قبل الحضور للمناسبة بحقيبة صغيرة تضم كل ما يمكن حمله من ضروريات العلاجات الإسعافية الواقية - بعون الله - من أوبئة (اللزقة) المُستظِرف.
أصحاب الاستراحات الشبابيّة مِمَّن عرفوا مقدرة هذا اللزج على ابتكار أسباب الكآبة والنفور وتعكير أجواء الأمسيات والمباريات الحماسية الجماهيرية، وقوة حاسة الشم عنده على التعرُّف على مواعيدهم للشواء (وكبسات الرز) الزاخرة بلحوم الخراف والدجاج الشهي؛ وعجزوا عن إبعاده عن أجوائهم بكل السبل الممكنة؛ احتاطوا بصيدليات صغيرة للإسعافات الأولية بكل استراحة تحسباً للحوادث الطارئة والمفاجآت غير المحسوبة التي قد يبتدعها (ثقيل الظِّل) المتنقل بين أطراف الحي أو البلدة بعد أن يقضي على أوسطها، وإني بهذه المناسبة اقترح عليهم تسميته (الدرون) إذ إنّه ينطلق ويتنقل بالتحكم الذاتي من نفسه الدنيئة وعقله الضَّامر وأفكاره المُتَطرفة من حيث الأنانية وحُب الذات المُفرطة؛ وشرهه بالتهام ما أمامه وحواليه من طعام المناسبات والاستراحات مِمَّا لم يُكلفه هللة واحدة (الريال مئة هللة)، وأحسب أن كثيرين قد ابتلوا بمثل هذا الصفيق أو الرادار المتنقل؛ وإن شئت قل المسبار المتمكن! نسأل الله سبحانه أن يكفينا شرورهم وأن يهديهم سبل الرشاد.
قال حكيم عربي له بالطب: نجد في كتبنا أنَّ مُجالسة الثَّقيل حُمّى الروح! ووصف حبيب الطائي ثقيلاً بقوله:
(يمشي على الأرض مختالاً فأحسبه
لِبُغضِ طلعته يمشي على كَبدي)
وتأذى شاعر من ثقيل يتردد عليه ويشغله، فقال:
(فيا رب لا تدخل جنانك مثله
فيهرب منها الصالحون إلى سَقرِ)
وبلغ الضَّجر برجل مَبْلغه من ثقيل فأنشد يقول:
(لَخَرْطُ قَتَادَةٍ وَلَحَمْلُ فِيلٍ
وَمَاءُ البَحْرِ يُغْرَفُ فِي زَبِيلِ
وَفَكَّ المَاضغين وقَلْعُ ضِرْسٍ
لَأَهْوَنُ مِنْ مُجالَسةِ الثَّقِيلِ)
ونُسب إلى مجير الدين بن تميم قوله:
(ما حيلتي في ثقيلٍ قد بليت به
من قُبح صورته يُستحسن الرَّمد
قد زارني الثقل حتى ما يقاربه
في ثقله أحدٌ كلا ولا أحد)
وكان أحدهم يشكو من ثقيل فابتلي بآخر، فقال:
(فكنت كمن شكا الطاعون يوماً
فزادوه مع الطاعونِ دُمَّل)!