د. تنيضب الفايدي
الشكر هو معرفة الإحسان والمعروف المسدى إلى الشخص وإظهار أثر النعمة عليه لمن تفضل بالمعروف عليه والاعتراف بالنعمة للمنعم، وله منزلة عظيمة؛ لأن الشكر لا يكون إلا بعد الرضا، وقد ظهرت منزلته في القرآن الكريم، حيث قرن بين الصبر والشكر قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} سورة إبراهيم الآية (5)، والصبر والشكر يستغرقان حياة المؤمن؛ لأنّ المؤمن إما أن يكون في سعة فيشكر أو في ضيق فيصبر، قال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له). فالإنسان في كلتا الحالتين يفوز بالسعادة، ومما يدلّ على خصوصيتهم ومكانهم عند الله عز وجل قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سورة سبأ الآية (13).
ومما يدلّ على أهمية الشكر أن قليلاً من الناس يشكرون الله على نعمه وأكثرهم قاصرون فيه، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}. يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: الشكر حقيقة الاعتراف بالنعمة للمنعم واستعمالها في طاعته. وقليل من يفعل ذلك، روي أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك. فقال: يا داود الآن عرفتني. وقال الزهري: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} أي: قولوا الحمد لله، أي: اعملوا عملاً هو الشكر، وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي نفسها الشكر إذ سدت مسدّه. سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يقول: اللهم اجعلني من القليل فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فقال عمر: كل الناس أعلم منك يا عمر!.
وقد قرأت قصصاً متعددة في الغرب والشرق وكلّها تظهر أن الشكر صفة سجيّة في الإنسان السويّ إذا تدرّب عليها حيث يقول أحدهم: تم تدريبي على أن أقول شكراً لكل شخص إذا قدم لي أي خدمة مهما كانت حتى وإن لم تكن ذات قيمة حيث أن (شكراً) كانت من الكلمات الأولى التي كنت أرددها، فصاحبة أمي عندما كانت تساعدها في دفع عربية الأطفال كانت تدرّبني على أن أقول لها: شكراً، وعندما كبرت تطور ذلك في نفسي حتى أصبحت أكررها حتى (للمصعد) عندما أخرج منه، وعلمتني تلك الكلمة بذل العطاء ومساعدة الآخرين كل حسب حاجته، وللشكر فوائد كثيرة منها: الشكر من كمال الإيمان وحسن الإسلام فهو نصف الإيمان، والشكر اعتراف بالمنعم والنعمة، وسبب من أسباب حفظ النعمة بل والزيادة فيها، ولا يكون الشكر باللسان فقط بل يكون بالجوارح والأركان، ومن أسباب كسب المؤمن رضا الرب تبارك وتعالى، وفيه دليل على سمو النفس وعلوها، والشكور قرير العين، يحب الخير للآخرين، ولا يحسد من كان في نعمة، وإن الشكر يجعل صاحبه من أهل خواص عباد الله وقليل ما هم، والجزاء الحسن على الشكر، والاعتبار بآيات الله، والانتفاع بها، وحصول الأمان من عذاب الله عز وجل، والاقتداء بالأنبياء الكرام فهم أهل الشكر، وغير ذلك من الفوائد والثمار.