أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: يقال عني بأني كثير الخصومة والمعارضة، وهذا صحيح؛ فقد كان هذا في صَلَفِ الشباب، وقد راضني الورع، وتقدُّم السنِّ؛ فكنت لا أخوض إلَّا مع الأكْفَاء، أو في طرحٍ محقَّقٍ؛ فقد يغلب التلميذ شيخه.. وأروض نفسي عن إيغار القلوب، وإذا وثقت بالمودة قرصتُ وأوجعتُ، ويعجبني مَن يـُحسن التقاضي.. وبيني وبين شيخي عبدالله ابن خميس -رحمه الله- مقارضة بقصيدتين رائيتين وُدِّيَّتين، ثم أدخل الشيخ عبدالله طرفًا ثالثًا يهجوني بشعر عامي، ويوزِّع الشعر في الوزارات بسيارة المصلحة الحكومية؛ فشكوتُ على الملك فيصل رحمه الله لما صار التألبُّ بطرف ثالث غريب ليس في مستوى الحرفة القلمية أطلب المرافعة شرعًا، وأخذتِ الشكوى طريقها، ولكن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز تدخَّل وطلب التصالح؛ فقبلتُ، وقبَّلْتُ رأس وأنف كل مَن ظلمني من الأطراف؛ فالحمد لله كثيراً.. وسبب القصيدة أني انتقدت كتاب الشيخ (الأدب الشعبي) في عشر حلقات بجريدة الرياض؛ فنشر الشيخ عبدالله رده بقصيدة بعنوان (لغة الفضول)؛ فرددت عليه بقصيدتي (لغة الفحول).
ولمّا رددتُ عليه كان بمنزلي ضيفًا عندي الشيخ أبو تراب الظاهري رحمه الله؛ فأشاع الشيخ عبدالله أن أحد (الأعجميين) ساعدني، وما ساعدني والله؛ وإنما ساعدني شيخ لي شاعر من تميم حصاة البلد وبيضتها، وما سلسلت قصيدتي إلاّ ببضعة أبيات أمدني بها.. والآن ولله الحمد استغنيت عن طلب الحِباء؛ فانقاد لي شاردُ الشعر طيِّعًا، وقد استعار لي أخي الأستاذ حمد القاضي مقولة قديمة؛ فقال: (ما زال أبو عبدالرحمن يهذي حتى قال شعرًا).
قال أبو عبدالرحمن: وليس عندي في شيخي ابن خميس إلاّ الرأي الجميل، وإنما أردت مكانًا لي بين أهل القلم، فلم أجد أسمن من الشيخ عبدالله؛ لأحارشه، فكان ما بيننا عَرْكُ أُذُنٍ وعضُّ رِيامٍ، وإليكم نصُّ قصيدة ابن خميس بعنوان (لغة الفضول) قال فيها:
خدعوكَ يا هذا ومِثلُكَ يُخدعُ
فظلَلْتَ تَرْقُل في الأنام وتُوضِعُ
قالوا بأنك شاعرٌ ومثقفٌ
ولك البيانُ الجاحظيُّ الأرفعُ
تُبدي لنا وجهَ الطفولةِ ساذَحاً
ووراءَه الوجهُ القبيحُ الأسْفَعُ
رِفقاً بجِيلِك فالقياسُ مُعطَّلٌ
وأبو محمدْ ظاهرياً يُمنع
قال أبو عبدالرحمن: فرددتُ عليه بقصيدة طويلة نشرت بجريدة المدينة عدد 2061؛ بعنوان (لغة الفحول)، وهذا نَصُّها:
هابوا صِيالك جاهِماً فتطلَّعوا
عَدوَ الكُمَيتِ لكل سَبْقٍ يَمْزَعُ(1)
ورَأوك تَرْفُلُ في الثيابِ جهامةً
وضخامةً وعَلوُّكاً لا يَجزعُ
وترنَّحتْ بك في السِباقِ نزاقةٌ
وتحلَّبتْ نُطفٌ لها تُستتبعُ
وتقنَّعتَ تحت الحروف دمامةً
وكساحةً تحت الشَّظى لا تَرْبَع
أوليتَها(2) شوقاً وهِمْتَ بها كما
هامَ الغرابُ وأَنْعَقَتُه الأربعُ
فمضى يقصُ على الضفادعِ نقَّها
لتهيضَ ثم يشدُها المستنقع
أَصَمَتَ حيث الذبُ كان مهابةً
وهجرتَ حيث الصمتُ ما يُتوقَع!؟
وَخَزَتْك أنملةُ الفحول فأججتْ
ما فيك من حنقٍ بدا يَتبرقع
ماذا عليك لو اتقيتَ قواصمي
تهدي الغويَّ وبالأصالةِ تَصدع
برِّز بعلمك ضارباً ومقارعاً
بالحجة البيضاء كيما تُوضع
وامتح بدلوك إنْ أردتَ حقيقةً
تجلو العيونَ العاشيات وتَمنع
واحذر مناهضةَ الحقيقةِ إنها
لِذَوي العيونِ الفاحصاتِ تُشعشع
إنِّي هنا وهناك لحنٌ شاردٌ
أصداءُه الغرُ الكرامُ تُرجَّع
أَمْلاكَ مَن أَغْراكَ فيما صُغتَه
وهداك للمدحِ الفريِّ تَفجُّع
تُهديه من لغة الفضول عجائبا
تعلو بها حيناً وحيناً تُبدع
تتبادلان المدحَ إغراءً كما
يأتي الحقيرُ بما يُذِّل ويَرفع
إني أُعيذك أنْ تكون مطيةً
يعلو غواربَها العياءُ الألكع
فالمرءُ حيث تريدُه آمالُه
هممٌ مطوحةٌ وبيتٌ أرفع
تباً لهذا الشعرِ يغدو حِرفةً
وشتيمةً عن غَيِّها لا تَنزَع
الشعرُ يا هذا هدىً ورسالةً
والشعرُ لا يَحبو كسيحاً يَركعُ
أَرضيتَ هذا الغَبنَ قسمةَ خاسرٍ
وضَلَلتَ درباً نهجُه ذا المَهيع؟
فاذرفْ من الدمعِ الخَتول سِجالَه
وغداً فنهجُ النقد منكم يُوضع؟!
ما للبغاثِ سوى تخطِّر كاسرٍ
صَلْبُ المخالبِ للردى ما يَصرع
__________
(1) قال أبو عبدالرحمن: يمزع: يسرع.
(2) قال أبو عبدالرحمن: أعني الحروف الكسيحة الآنفة الذكر.