د. عبدالحق عزوزي
شهدت أوروبا خلال الأيام الماضية عقد مؤتمرين مهمين: الأول يتعلق بالعلاقات بين القارتين الأوروبية والإفريقية والثاني حول مستقبل الأمن في العالم. الأول يتعلق بالقمة الأوروبية - الإفريقية التي انعقدت في بروكسل على مدى يومين بحضور رؤساء دول وممثلي القارتين؛ والثاني يتعلق بمؤتمر ميونيخ للأمن ويحضره كبار مسؤولي الدول في العالم. وفي كلا اللقاءين غاب عنهما بعض الفاعلين كمالي وبوركينا فاسو وغينيا والسودان بالنسبة للقمة الأوروبية الإفريقية بسبب تعليق الاتحاد الإفريقي عضويتها بعد الانقلابات؛ وكروسيا بالنسبة لمؤتمر ميونيخ للأمن.
خلال القمة الأوروبية - الإفريقية، وضع الاتحاد الأوروبي ونظيره الإفريقي أسس «شراكة متجددة» مع مساعدة لإنتاج لقاحات ضد كوفيد في إفريقيا؛ وأطلقت الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد «استراتيجيتها العالمية للاستثمارات» والتي لا تقل عن 150 مليار يورو على سبع سنوات «للمساعدة في المشاريع التي يريدها الأفارقة» مع إعطاء الأولوية للبنية التحتية للنقل والشبكات الرقمية والطاقة، بحسب الإعلان النهائي للقاء.
ويسعى الأوروبيون الذين وعدوا بتزويد الأفارقة بإجمالي تراكمي لا يقل عن 450 مليون جرعة من لقاحات كوفيد بحلول الصيف، لمساعدة الدول الإفريقية أيضا على إنتاج لقاحات تعمل بتقنية الرنا المرسال، وهو برنامج كشفت عنه منظمة الصحة العالمية الجمعة. كما سيقوم الاتحاد الأوروبي بجمع 425 مليون يورو لتسريع حملات التطعيم ودعم توزيع الجرعات وتدريب الفرق الطبية. تم تلقيح 11 % فقط من الأفارقة ضد كوفيد - 19.
في المقابل، ذكر الأوروبيون الذين دعوا إلى نقل التكنولوجيا تحت إشرافهم، بمعارضتهم لرفع براءات اختراع اللقاح والذي يطالب به بشدة نظراؤهم الأفارقة لا سيما رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا. الكل يعلم أن استراتيجية الاستثمارات بقيمة 150 مليار يورو تهدف إلى التصدي للنفوذ الروسي والصيني، والكل يعلم أن استراتيجيتي الصين وروسيا في المنطقة أكثر من أن تزال ببعض الدعومات المالية الأوروبية التي قد تصل هنا وهناك أو قد لا تصل، خلافا للصين مثلا التي تعمل دون تهيج في إفريقيا وهي لا تبني طرقا فقط ولكنها تُكون صداقات وتحالفات عسكرية، وتعتمد هناك على الاستثمار في بناء رأس المال الاجتماعي والبشري... وتشير دراسة أجرتها «وكالة ماكنزي الأمريكية» أن أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حاليا في إفريقيا كما أن بعض المصادر تتحدث عن 2500 شركة، 90 بالمائة منها شركات خاصة. كما لا يخفى على المتتبعين الاستراتيجيين التواجد العسكري في إفريقيا؛ فقد سبق وأن أرسلت الصين بارجتين بحريتين إلى القرن الإفريقي وبالتحديد إلى جيبوتي حيث تملك قاعدة عسكرية ولوجيستية هناك.... فما يزيد على 400 عسكري أضحوا يتواجدون في هذه القاعدة لتأمين طرق الملاحة في القرن الإفريقي على مستوى خليج عدن والقرن الإفريقي.
أما بالنسبة لمؤتمر ميونيخ للأمن، فالتخوف الكبير لدى الأوروبيين وأمريكا هو نشوب حرب جديدة في أوروبا أحد الفاعلين الكبار فيها هي روسيا مدعومة من قوة عسكرية عظمى هي الصين... فلأول مرة انضمت بكين إلى موسكو في مطالبة حلف شمال الأطلسي بعدم قبول أي أعضاء جدد.
وهذا التخوف هو ما لخصته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بقولها إن روسيا شرعت في «تقويض» الهيكل الأمني الأوروبي وهي تقوم «بمحاولة صارخة لإعادة كتابة قواعد النظام العالمي». وقالت لاين خلال مؤتمر ميونيخ للأمن: «لا يمكننا السماح بحدوث ذلك، نحن نواجه محاولة صارخة لإعادة كتابة قواعد النظام العالمي». كما ندّدت بتحالف روسي- صيني يسعى لفرض «قانون الأقوى». فلا جرم أن التصعيد في الأسابيع الأخيرة في أوكرانيا وسط اتهامات غربية لروسيا بالتخطيط لغزو الدولة المجاورة، «قد يعيد تشكيل النظام العالمي», فالقوات الروسية المنتشرة على حدود أوكرانيا تشكل «أكبر انتشار لقوات على الأراضي الأوروبية منذ أسوأ أيام الحرب الباردة». حاصل القول: بدأت أوروبا تشعر بفقدان هيبتها التاريخية وتواجدها الاستراتيجي في إفريقيا خاصة بعد اضطرار القوات العسكرية الفرنسية ثم الأوروبية للخروج من مالي؛ كما أن لدى روسيا والصين في الوقت الحالي، أهداف مشتركة ليس فقط في إفريقيا ولكن في العالم لإنهاء الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، والتأثير فيه كفاعلين أساسيين يضرب لهما ألف حسبان وبناء نظام دولي جديد يقوم على أساس رؤيتهما الخاصة للعلاقات الدولية.