د.محمد بن عبدالرحمن البشر
احتفلت المملكة العربية السعودية رسمياً وشعبياً بيوم التأسيس، وكان يوماً بهيجاً سعد به الجميع، وتذكروا تلك الانطلاقة التي تمت من الدرعية إلى آفاق الجزيرة العربية، ذلك اليوم الذي وضع فيه الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن إصبعه على المفتاح ليزيح الستار عن لوحة التأسيس، وإن شئت فقل أزاح بيديه الستارة لتبرز لوحة تأسيس عن دولة فتية في شبه الجزيرة العربية، ولم يكن الأمر بذلك اليسر فكان هناك عوائق داخلية، وتحديات خارجية.
أقام الإمام محمد بن سعود دولة تحت قيادته بدلاً من دويلات المدن، لتكون أكثر قوة وأمناً ترتكز على الإسلام كقاعدة، لاسيما أن الصراع الخارجي على النفوذ بين أوروبا الغربية ممثلة في بريطانيا العظمى وبين تركيا قائماً على أشده، واستخدم الإقناع لرؤساء المدن وشيوخ البادية تارة، والشدة تارة أخرى، وقد توفي -رحمه الله- قبل أن يحقق المراد، فواصل ابنه عبدالعزيز، ثم سعود بن عبدالعزيز المسيرة بعده، واكتملت الفكرة، وأصبحت حقيقة واقعة، وقاعدة لمسيرة حتى وقتنا الحاضر.
لن أخوض في المسائل التاريخية، فالباحثون المتخصصون أجدر مني بذلك، لكن من المناسب الإشارة إلى أن المادة التاريخية التي تصف تلك الفترة شحيحة للغاية، وهذا أمر يمكن فهمه في تلك الحقبة، غير أن ما وصل إلينا من المعاصرين أو القريبين من المعاصرة لم تكن مؤلفاتهم تسير على منهج علمي كما هو الحال الآن، وحتى المادة السردية أو الحولية المتاحة ليست كما يجب أن تكون، وهذا أمر طبيعي، لكن المشكلة في الفحوى، إما أن يكون قد كتبها مناوئون، فكان الحقد مداد كلماتهم المسطرة، أو كتبه متحمسون فيكون الحب حاضراً أثناء كتاباتهم لكتبهم، فيرسم المؤلف صورة من صور مكنونة يظنها تخدم محبة، كما نجد ذلك في بعض الجمل التي كتبها ابن غنام، وهو أحد تلامذة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. أما الرحالة المستشرقون ففي الغالب يكتب بعضهم جملاً دون فهم كافٍ للثقافة السائدة، والعلاقات الاجتماعية، والطباع الموروثة، لهذا يبرز في بعضها بعض الجمل التي يفضل التوقف عندها.
اجتهد الكثير من الباحثين الحاليين في جمع ما أمكن جمعه من مخطوطات، وكتب ومعلومات هنا وهناك، واستطاعوا إضافة شيء قيم وإن كان غير كافٍ، وسأذكر مثالاً على ذلك لا الحصر، الدكتور راشد العساكر، الذي استطاع الحصول على وثيقة عثمانية تشير إلى جد الأسرة السعودية الشيخ إبراهيم بن موسى، ومرافقته للحجيج في وقته، فكانت إضافة جديدة جيدة، تؤكد نفوذ الأسرة على تلك البقعة من الديار النجدية، كما جمع الكثير من المعلومات من أفواه الرجال في مؤلفاته عن الرياض ومنفوحة وغيرها.
كانت الناس في وسط الجزيرة تنشد تحسن الحال المعيشي والأمني، ومن الطبيعي أن تكون الدولة الكبيرة المتوحدة هي بداية تحقيق ذلك الأمل المنشود، لكنه سيواجه بلاشك بممانعة من ذوي النفوذ في دويلات المدن، وممانعة أخرى من قوى خارجية لتحقيق مصالحها الخاصة، لهذا امتدت الصراع عبر سنين عديدة، وتعثرت المسيرة بسبب هنا أو هناك خارجي وداخلي، فكانت تلك ثلاث فترات من الحكم السعودي، الأولى والثانية والثالثة.
في الدولة السعودية الثالثة كانت القواعد أكثر رسوخاً، ومعالم الدولة أكثر تبلوراً، ساعد في ذلك التشكيل الجديد للعالم، ووجود الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بحنكته ومحبة الناس له، ومعرفته بالظروف الدولية، وكيفية التعامل معها، بما يحقق رسوخ الدولة، وثبات قواعدها، وكان الأمن في مقدمتها، واستقر الأمر، ثم منحها الله النفط الذي جلب معه تغيراً كبيراً في الوضع الاقتصادي، والاستفادة منه في تغير حال المواطنين إلى الأفضل، لا سيما أن الملك عبدالعزيز معروف بسخائه وكرمه.
واليوم نعيش -والحمد لله- في دولة آمنة تنعم بالخير والنماء، وتتطلع إلى المستقبل في ظل رؤية عشرين ثلاثين التي أطلقها ولي العهد -حفظه الله-، بمباركة من خادم الحرمين الشريفين -أمد الله في عمره-.