حمّاد بن حامد السالمي
حازت الطائف أسبقية رائدة، وكان لها القِدْح المُعلّى؛ في الانضمام للدولة السعودية في مرحلتها الأولى التأسيسية. نعم.. كانت الطائف جزءًا من دولة التأسيس، ومركزاً من مراكزها المهمة بين الغرب والجنوببين عامي 1218 و1228 هجرية، بقيادة عدد من رجالها بقيادة ابنها الأمير (عثمان بن عبدالرحمن المضايفي). أي أنها مكثت في كنف هذه الدولة المباركة؛ عشرة أعوام، ظلت خلالها تشكل المبتدأ والمنطلق لعديد الغزوات والمحاولات التي جرت لتوحيد قبائل ومدن كثيرة، مثل مكة المكرمة، والليث، والقنفذة، والباحة، وبيشة، وحتى مناطق في عسير وغيرها. ومع أن سنوات عشر في عمر العمل السياسي والعسكري تبدو قصيرة ضئيلة؛ إلا أن الحراك الذي انطلق من الطائف ضد الوجود الحاكمي والعسكري التركي فيما حولها من بلدان ومدن؛ كان كبيرًا ومؤثرًا، حتى أنه استفز السلطنة العثمانية في تركيا، ونبّهها إلى أن الحراك الديني والسياسي والعسكري الذي ينطلق من الدرعية؛ ويتفرع حتى وصل إلى الطائف وما حولها من أطراف؛ يشكل خطرًا كبيرًا على نفوذها في بقاع مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وعسير وخلافها، فسارعت إلى تكليف جناحها في مصر، بقيادة محمد علي باشا، لمواجهة هذا المد العربي السعودي الجديد الجاذب للقبائل العربية.
* تأسست الدولة السعودية الأولى في الدرعية العام 1139 هـ1727م، بقيادة (الأمير محمد بن سعود)، الذي أصبح يلقب فيما بعد بـ (الإمام)، وقاد البلاد إلى مرحلةٍ جديدةٍ في تاريخ المنطقة كلها، وأسس الدولة السعودية الأولى، حيث أصبحت الدرعية في عهده ذات مركزٍ قويٍّ، واستقرارٍ داخليٍّ، وحكمٍ راسخٍ في المنطقة. كانت الدولة السعودية الأولى في أخذ ورد مع حكام مكة والحجاز طيلة ثمانين عامًا تقريبًا، تخللها صدامات عسكرية عنيفة، ومعاهدات صلح لم تصمد، وكانت الخلافات تستعر أكثر؛ إذا أقدم حاكم مكة على منع الحجاج السعوديين ومن والى الدولة السعودية من أبناء القبائل الأخرى من الحج. وكان الأمير: (عثمان بن عبدالرحمن المضايفي العدواني)؛ الذي هو من أمراء ومشاهير قبيلته في الطائف؛ وزيرًا للشؤون الخاصة مع الأمير: (غالب بن مساعد الشريف) أمير مكة وقتها، فقدراته وكفاءته رشحته لهذا المنصب، وأن يكون صفي وحفي الأمير غالب، فيتزوج أخته. ولكفاءته الإدارية والقيادية؛ عينه الأمير غالب قائدًا لحملة عسكرية وجهها ضد من دخلوا في طاعة ابن سعود. لكن.. وفي العام 1217 هجرية؛ أرسله الشريف غالب على رأس وفد من كبار خاصته، بهدف تجديد العهود والصلح مع ابن سعود، فتوجهوا من الطائف إلى الدرعية، والتقوا بـ (الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود). لما عاد المضايفي من هذه الرحلة؛ كان محملًا بتعيين وتنصيب من الإمام عبدالعزيز ليكون أميرًا على الطائف والحجاز. الطائف التي دخلت في كنف الدولة السعودية الأولى عشرة أعوام، فقد عاد المضايفي من الدرعية إلى (العُبيلاء)- وهي قرية من شمالي الطائف- وأخذ يجمع عُربان الحجاز والطائف وتربة حوله، فسار إليه الشريف غالب، ووقع القتال بينهما، ولم يستطع أن ينتصر فيها على المضايفي، فتوجه إلى الطائف. فأخذ المضايفي يرسل إلى الدرعية لمساعدته، فأجابت وأرسلت إليه بمدد وعدد، وظل المضايفي خلالها يقاتل ويحارب انطلاقًا من الطائف، التي أصبحت رأس حربة دولة التأسيس أوانذاك في وجه الدولة التركية وحكامها في الحجاز، حتى قبضت عليه القوات التركية بقيادة محمد علي باشا وابنه إبراهيم، وأخذ للقاهرة، ثم إلى استانبول، حيث أعدم هناك، بعد أن نكلوا بأهله وقرابته في الطائف، وقتلوا منهم قرابة الخمسين نفسًا.
* وبعد مئة عام وعشرة تقريبًا؛ ظهرت الطائف مرة أخرى على خارطة الدولة السعودية المجيدة من جديد. جاءت الدولة السعودية الثالثة. دولة التوحيد بقيادة بطلها الهُمام (الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود) -رحمه الله- فدخلت جيوشه المظفرة الطائف من تربة، وتحولت الطائف إلى حربة توحيدية هذه المرة، لضم مكة المكرمة، ثم المدينة المنورة، وجُدة، ثم الليث والقنفذة وجازان وعسير، وبقية البقاع؛ انطلاقًا من الطائف، التي تبلورت على أرضها فكرة تسمية الدولة الجديدة، يوم اجتمع عدد من مستشاري الملك عبد العزيز ورجاله الأوفياء في منزل عبد الله الفضل بحي السلامة بالطائف، فتدارسوا مقترحًا مطروحًا لتسمية جديدة لهذه البلاد تحت مظلة التوحيد المكاني والإنساني، بعد أن نجح فارسها وقائدها عبد العزيز آل سعود في توحيد القلوب وتوحيد الجغرافيا، وهي التي ظلت في شتات وعدم ثبات طيلة ألف ومئة من السنين بعد سقوط الدولة العربية الأموية، فتوافقوا واتفقوا على اسم: (المملكة العربية السعودية)، حيث صدر بذلك مرسوم ملكي بتوقيع الملك عبد العزيز، وأعلن من الرياض العاصمة في 19 سبتمبر العام 1932م. 17 جمادى الأولى 1351هـ.
* تأتي احتفالاتنا بيوم التأسيس المجيد، واليوم الوطني المتجدد؛ أفراحًا تترى، بما تحقق وأنجز على كل الصعد الأمنية والعلمية والعمرانية، التي لم تشهد مثلها جزيرة العرب منذ بدء تاريخها. وفي كل مناسبة وطنية من هذه المناسبات؛ تأتي الكلمة الوطنية الصادقة، ويأتي الشعر في مقدمة المشهد المنير. الشاعر الكبير شاعر الثورة العربية فؤاد الخطيب، رسم صورة للجزيرة العربية بعد توحيد شملها على يد المؤسس والموحد الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- فقال:
إن «الجزيرة» عند العُرب واحدة
وليس في الحاجز المضروب تقييد
لم ترض حدًّا فإن تُلمِ به اقتحمت
وهل يحد شعور الشعب تحديد
لها الزعيم الذي التوحيد سنتُه
هيهات يُفصم شمل فيه توحيد