عبد الله سليمان الطليان
تولّدت تلك المراكز في البداية من خلال الأوساط الجامعية والثقافية والجمعيات الجغرافية، والأقسام الجامعية المختلفة، وكانت الدراسات فيها تنصب على النظريات الجيوسياسية على أساس عرقي لتبرير الإمبريالية الأوربية وتوجيهها، والتي أسهمت في السيطرة العسكرية الأوربية على الكرة الأرضية منذ بداية القرن الثامن عشر.
ومع الوقت أصبحت مؤسسات التفكير الإستراتيجي تعمل لمصلحة وزارات الدفاع، على نحو كبير وذلك خلال الحرب الباردة، وكان لها ثلاث علل لوجودها: أولاً توصيف تهديد ما، وفهم آلياته، وإذا أمكن تحديد صاحب التهديد. ثم تبرير نظام الدفاع وشكل الجيوش من خلال وضع تسلسل للمخاطر، وأخيراً جعل استخدام القوة شرعياً، وقد ولدت مراكز التفكير في أمريكا وصار عددها 1500 تقريباً لها أيديولوجية قوية ومهيمنة، يعتبر 58 في المئة من هذه المراكز أنها نشأت في السنوات الخمس والعشرين الماضية، تستثمر فقط في عشرة من مراكز هذه التفكير 561.1 مليون دولار، مقابل 112.2 مليون دولار في أوروبا، يعد معهد (RAND Corporation) من أشهر المراكز في أمريكا يضم خمسة مكاتب في الداخل وأربعة في الخارج يديره ألف وخمسمئة شخص، له مكانه على المستوى الدولي ولا يوجد ما يماثله في الدول الغربية، التي نجد أنها ضعيفة في ميزانيتها مقارنة به، فمركز التحليل والتوقّع في وزارة الخارجية الفرنسية يضم عشرين شخصاً مخصصاً لهم مليون يورو كميزانية دراسات للعام 2009م، ولجنة الشؤون الإستراتيجية في وزارة الدفاع التي تضم مئة شخص مع ميزانية دراسات تبلغ أربعة ملايين يورو تقريباً، ومؤسسة الأبحاث الإستراتيجية تضم ثلاثين باحثاً وميزانية من خمسة ملايين يورو، في السويد يضم مركز (SIPRI) خمسين باحثاً، ومركز (IISS) في بريطانيا العظمى أربعين باحثاً بـ 8 ملايين جنيه إسترليني، كل هذه المراكز تعد أقزاماً مقارنة بالمراكز الأمريكية التي تجذب الخبراء الأجانب في سوق الأفكار.