«الجزيرة» - الاقتصاد:
أصدرت الشركة العربية للاستثمارات البترولية «ابيكورب»، وهي مؤسسة مالية تنموية متعددة الأطراف، تقريرها السنوي عن أبرز التوجهات التي يُتوقع أن ترسم ملامح أسواق الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لسنة 2022.
وتشمل التوجهات التي يتناولها التقرير العوامل الرئيسية التي تؤخر عملية التعافي الاقتصادي، وأثر أسعار النفط والغاز على الاستثمارات في قطاع الطاقة في المنطقة، متوقعاً استمرار نمو هذه الاستثمارات على المدى المتوسط، وذلك بعد تسجيلها ارتفاعاً متواضعاً نسبياً مقدراه 13 مليار دولار أمريكي فقط بحسب تقرير توقعات استثمارات الطاقة في المنطقة للأعوام 2021 - 2025 الذي أصدرته ابيكورب في الربع الثاني من العام المنصرم.
إلى ذلك أوضح الدكتور أحمد علي عتيقة، الرئيس التنفيذي لابيكورب: «على الرغم من أن التوقعات تشير إلى استمرار التقلبات في أسعار السلع الأساسية طوال عام 2022، إلا أن الجانب الإيجابي على المدى القصير هو أن هذا الأمر سيتزامن مع محافظة أسعار النفط والغاز على مستواها المرتفع، مما سيدعم بدوره حجم الاستثمارات في قطاع الطاقة، بما فيها مشاريع الطاقة المتجددة والمشاريع التي تتماشى مع مبادئ السياسات البيئية والاجتماعية والحوكمة. كما يُتوقع للاستثمارات في قطاع الكهرباء في المنطقة العربية أن تواصل زخمها المتزايد، لا سيما الكهرباء المولّدة من مصادر الطاقة المتجددة، حيث تشير الأرقام إلى أن المنطقة ستضيف نحو 20 جيجاواطًا من الطاقة الشمسية خلال السنوات الخمس المقبلة».
ومن المنتظر أن يكون لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دور محوري في عملية تحوّل الطاقة عالمياً.
ولكن على الرغم من تنامي الاهتمام بهذا التحول، يشير التقرير إلى احتمال تأثره بالتضارب الناجم عن السياسات التنظيمية للقطاع، حيث تواجه الحكومات معضلة موازنة عوامل عدة يصعُب التوفيق بينها، كالحدّ من الانبعاثات الضارة، والقدرة على تحمل تكاليف الطاقة البديلة، وتوفير أمن الطاقة. هذه المعضلة تستدعي وضع سياسات شاملة ومستدامة توجد التوازن الصحيح وتتفادى العواقب غير المقصودة التي قد تنجم عن التركيز على عامل واحد فقط دون غيره، مثل الإخلال بتوازن السوق، وتفاقم حدة تقلبات الأسعار، وحدوث نقص في إمدادات الطاقة.
ويتوقع التقرير ازدياد الضغوط على صناع القرار مع استمرار تقلبات أسواق السلع الأساسية في عام 2022 في ظل الجائحة، وضبابية الرؤى المتعلقة بسياسات الاقتصاد الكلي، وحالات التعطّل التي قد تصيب سلاسل التوريد. وعلى الرغم من أن أسعار السلع الأساسية قد شهدت تصحيحاً متواضعاً وغير منتظم خلال عام 2021، إلا أن تحسن الأسعار هذا سيستغرق وقتاً طويلاً حتى ينعكس أثره بشكل كامل.
أما أسواق الطاقة فيُتوقع أن تكون أكثر استقراراً نسبياً خلال العام، لا سيما مع رفع معدلات الإنتاج من قبل تحالف «أوبك+» والدول غير الأعضاء في منظمة «أوبك»، وارتفاع معدلات إنتاج الغاز وحجم إمدادات الغاز الطبيعي المسال. وبناء على المعطيات الحالية، يُتوقع لمتوسط سعر نفط برنت أن يتراوح بين 65 و75 دولارًا أمريكيًا للبرميل، بينما ستتراجع أسعار الغاز -سواء المُستقدم عبر المحور الياباني الكوري في آسيا أو عبر المحورين البريطاني الهولندي في أوروبا- إلى أقل من مستوياتها القياسية التي سجلتها خلال عام 2021 في آسيا وأوروبا، لا سيما بعد انتهاء فصل الشتاء.
وبالنظر إلى تطلعات الاستثمارات في قطاع الطاقة، يشير التقرير إلى أن الزيادة الملحوظة المتوقعة في أسعار النفط والغاز في عام 2022 تمثل فرصة سانحة لعودة نشاط القطاع إلى سابق عهده ما قبل الجائحة، مرجحاً تخطي حجم استثمارات الطاقة في المنطقة العربية خلال العام الجاري تقديرات تقرير ابيكورب لاستثمارات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للأعوام 2021-2025، والتي بلغت 805 مليار دولار أمريكي، ولفت التقرير في الوقت ذاته إلى إمكانية استمرار هذا النمو خلال السنوات الخمس القادمة بناء على عوامل عدة، أهمها محافظة أسعار النفط والغاز على مستوياتها المرتفعة، والاستثمارات المخطط لها في مشاريع الغاز غير التقليدي وصناعات المنبع.
كما يُتوقع لقطاع البتروكيماويات أن يتوجه إلى تعزيز التكامل وترشيد الاستثمارات، خاصة مع تحول مصانع عدة إلى المنتجات ذات الهوامش الربحية العالية أثناء الجائحة، كأغشية البلاستيك المستخدمة في التغليف والتوضيب، ومنتجات الرعاية الصحية والنظافة.
إلى ذلك قال نيكولا تيفينو، العضو المنتدب لإدارة تمويل المشاريع والتجارة في «ابيكورب»: «إننا نرى توجهاً واضحاً لضخ الاستثمارات في مشاريع البتروكيماويات القائمة على حساب المشاريع الجديدة، وهو أمر منطقي ومتوقع في ظل الظروف السوقية الراهنة، حيث من الأجدى أن يكون التركيز في هذه المرحلة على تحسين كفاءة التكلفة والتشغيل في المشاريع القائمة بدلاً من التفكير في التوسع».
تبقى حالة عدم الوضوح التي تفرضها تداعيات الجائحة المؤثر السائد على حركة السوق، إذ ما تزال الحكومات تحاول موازنة مسألتي الحفاظ على الصحة العامة مقابل التعافي الاقتصادي.
وقد تضطر الحكومات لاتخاذ إجراءات تقشف مالي للحدّ من الإنفاق وكبح جماح معدلات التضخم المتصاعدة. فعلى الرغم من أن الأسواق المالية أنهت عام 2021 بعوائد عالية، مثل مؤشر SالجزيرةP 500 الذي حقق عائداً بلغ 27 % بنهاية العام، إلا أن نمو أسواق العمل والارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية أدّيا إلى تفاقم معدلات التضخم المرتفعة أصلاً.
ويرى التقرير أن مخاوف الركود الاقتصادي المصحوب بالتضخم (stagflation) قد بدأت تلوح بالفعل مع السحب التدريجي لحزم التحفيز المالي، وتراجع برامج شراء الأصول، والتوجه إلى رفع أسعار الفائدة. ونتيجة لذلك، يُتوقع أن تتباطأ وتيرة التعافي الاقتصادي وتبقى معدلات البطالة مرتفعة نسبياً، وذلك في ظل الدورة التضخمية التي يعيشها العالم حالياً، والتي تبدو أنها لن تكون مجرد فترة مرحلية عابرة.