إن اليوم المبارك «يوم التأسيس» الذي تجلى فيه حرص واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظهما الله- بتخليد التاريخ الحقيقي للوطن عبر صفحات وضاءة ناصعة يشهد بها العالم أجمع، حيث جاءت الانطلاقة المباركة منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- مؤسس الدولة السعودية الأولى، حيث كانت بلدة الدرعية العاصمة الأولى للدولة في عام 1139هـ/ 1727م، فوضع الأطر العامة لدولة الحق والعدل والنظام، وأسس دولة على نهج ودستور القرآن الكريم وسنة النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
وإن هذه الدولة المباركة على امتداد تاريخها العميق سعت إلى تعزيز الوحدة ونبذ الفرقة وتحقيق الأمن على مدار عدة قرون منذ عهد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى، والإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود الذي استطاع استعادة هذه الدولة، وأكمل مسيرة الدولة السعودية الثانية، إلى أن سخر الله لهذه البلاد ملكاً عظيماً وقائداً فذاً، وضع نصب عينيه بناء الدولة الحديثة، التي توحدت على يده أركان الجزيرة العربية، فكانت مملكة خير ومنهج عدل وبداية عصر جديد على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- الذي وحد المملكة العربية السعودية وتمكن هو ورجاله من بناء هذا الوطن الغالي، وصون أمنه بعد التشتت والفرقة، ويبدأ مسيرة مراحل البناء والنمو الحضاري، ليشهد هذا الوطن تقدمًا وازدهاراً على أيدي الملوك البررة، وصولاً إلى عهد العزم والحزم الذي يشهد فيه الوطن نهضة تنموية شاملة مكتملة الأركان في مختلف الجوانب والمجالات كافة، وعلى جميع المستويات، حسب رؤية طموحة مستمدة من ماضٍ عريق وحاضر ومستقبل يصنع فيه القيادة والشعب رؤية المملكة 2030، وترجمتها إلى واقع وضع السعودية في مقدمة دول العشرين التي تتربع على العالم.
ولا ننسى أن الدولة السعودية برجالها وقادتها عبر تاريخها الطويل نشأت من داخل المكون الاجتماعي لمحيطها بعلاقات راسخة بين حكامها ومواطنيها، فهي لم تكن يوماً من الأيام مستوردة لا بغزو ولا باستعمار خارجي، وهذا ما رسخ العلاقة التاريخية القائمة على أن ما حدث في سيناريو تأسيس الدولة هو نتاج طبيعي لحركة تاريخية لم يتدخل فيها أحد ولم تشكلها الأفكار المستوردة، إنما ولدت من معايير تاريخية مفهومة ومثبتة وطبيعية في نشأة الدول، قامت على سردية بشرية، ولذلك فقد كتب التاريخ أن نشأة الدولة السعودية هي نتيجة طبيعية لسردية خُلقية بشرية مقوماتها الحاجة إلى الاستقرار، وماذا يحتاج الناس في مرحلة بعينها وظروف محددة، صاحبها عقلية حاكم امتدت رؤيته نحو الأفق لصناعة مستقبل السعودية.
لقد أثبت الإمام محمد بن سعود وأبناؤه وأحفاده من بعده وعلى رأسهم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أن منهجهم في نشأة الدولة السعودية هو نموذج سعودي متخصص ومميز لبناء الدول العظمى، وفق نظرية سياسية واقعية تقرأ الواقع وتتعامل معه وتتكيف مع ظروفه، فمنطقة نجد قبل التأسيس كانت تعيش في فوضى سياسية تغيب فيها متطلبات الأمن والاستقرار، وهذا ما ولد في كيان الدولة السعودية الضرورة الغريزية والحاجة للبقاء والحياة، حيث أسهم ذلك في نشوء الحاجة إلى التحرك والتضحيات، وبناء المسارات السياسية الواضحة، وهذا ما قام به الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- مؤسس هذا الكيان.
فكرة التأسيس فكرة تحمل الكثير من الأبعاد المهمة ذات العلاقة بكتابة تاريخ الجزيرة العربية بأكمله، وأن هذه الدولة هي دولة السياسة والتاريخ والجغرافيا والقيادة وليس دولة النفط أو الثروة والغياب عن التاريخ، منذ العام 1727م، حيث صنعت الدولة السعودية نموذجها المميز وأصبحت الحاجة مضاعفة من أجل إغناء تراث مرحلة التأسيس وتكثيف الكشف عن ملحمتها التأسيسية وتخصيصها بيوم مستقل للكشف عن مكنونها الحقيقي وملامح نشأتها التي يقدمها لنا التاريخ، وها نحن اليوم في المملكة العربية السعودية نتطلع للاحتفال بيوم التأسيس لكي نكون شهود مرحلة تاريخية مهمة تنقل إلى الأجيال المقبلة، حيث المسافة التي نقلتنا إلى قلب التاريخ في محيطنا العالمي لنثبت للعالم من حولنا أن المملكة العربية السعودية إنما هي نموذج سياسي فريد صنعت تفرده عقول سياسية قادت هذا الوطن نحو الاستقرار والثبات عبر ثلاثة قرون مضت.
في الختام..
يوم التأسيس يعد ذكرى فخر واعتزاز باللبنات التي أسست هذه الدولة العظيمة وتاريخها الممتد العريق، وما احتوته الدول السعودية الثلاث من منهج سياسي محنك وثقافي وحضاري، مستمدة من أصول وقيم ثابتة على مر أكثر من 3 قرون.
والله يحفظ هذا الوطن ويديم أمنه وأمانه، وينصر جنوده، ويحمي حدوده، وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين.
** **
- فهد سعود العنزي