د. إبراهيم بن جلال فضلون
اكتسب علم «التاريخ» أهميته، كونه ذاكرة كل أمة (memory of the nation)، وفي فصول أبطالها الحكام والمؤرخين، فما بالك إذا اجتمعا في رجل واحد بملامح واضحة لشعبه، ويتبوأ من التاريخ منزلة القلب من الجسد، وهذه الشخصية العظيمة التي تتخذ العديد من الأبعاد بعلاقات متنوعة ومختلفة، حينما يظهر قارئاً وراوياً وناقداً وداعماً وصانعاً للتاريخ، بل ومصوباً مساره المستقبلي، والذي أبدع في صياغته، حتى صار حديث الألسن والأقلام وقراطيس الكتب وما شابه من وسائل إعلامية خاصة الحديثة منها الآن، والتي يعتبر خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود «حفظه الله» أحد مهندسي التاريخ وتأريخه على المستوى العالمي، وأمتيه العربية والإسلامية، في علاقة خلفياتها شطرا حياته أحدها يتعلق بمواهبه وقدراته، ثم العديد من محطات تجاربه الحياتية التي بنى ثروته التاريخية والسياسية والثقافية خلالها حتى أصبح عالما بالتاريخ والأنساب، فهو القارئ النابه الذي يمتلك في بيته مكتبة خاصة وضخمة تحتوي على أكثر من 60 ألف مجلد وأكثر من 18 ألف عنوان، منذ ولادته التي جاءت بعد توحيد المملكة العربية السعودية، بثلاث سنوات فقط. وقد نشأ في ظل هذا الحدث التاريخي.
لتكون لهذه الملحمة التاريخية الكبرى انعكاساتها على شخصيته وإدراكه لأهمية التاريخ وضرورة حفظ منجزات الآباء وإيصالها للأبناء، ليعلن يوم التأسيس تأصيلاً لما كان وما سيكون لتكون إحدى أهم أدوات بناء الهوية الوطنية.
فكان الداعم للتاريخ والمؤرخين، برئاسته لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، وهو صاحب فكرة إنشاء هذه المؤسسة، ورعاها -يحفظه الله- خطوة بخطوة حتى نمت واستوت على سوقها.
بموجب المرسوم الملكي في الخامس من شعبان عام 1392 هـ، وإطلاقه ودعمه الملكي السخي تلك الجوائز التي خصصها خادم الحرمين للمشتغلين بالتاريخ.. كجائزة ومنحة الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية التي تغطي خمسة فروع.
ومرة أخرى يقول زين العابدين الركابي في كتابه عن الملك سلمان: «إذا تحدّثت معه في موضوعٍ ما، فلا تكاد تنطق بالعبارة الأولى، حتى يدرك ما تريد ويستفيض فيه، وكأنه قد أعد العدة له من قبل، سواء أكان الموضوع سياسياً أم اجتماعياً أم إعلامياً أم ثقافياً.
فأول الكلام لدى المصغي الذكي قدح لذهنه ومفتاح يستدعي مخزونه المكنون؛ فالسرعة الفائقة في الجواب أو التعليق تختصر المقدمات وتختزل الوقت وتقطع حبال التكرار ومسلسل الحشو الذي يضيع الوقت ويهدر الطاقة الذهنية دون نفع.
فمنذ لحظة انبثاق تجربة الدرعية ولاحقاً الدولة السعودية في أطوارها، إلى لحظة التوحيد كانت بداية التأريخ للتجربة السعودية سياسياً، وتعاملها مع الأفكار والتحولات الوطنية الحديثة عبر رؤية خلابة طموحة، قلمت أظافر الفاسدين والمتشددين من المتطرفين، ودحر الإرهاب خارج حدودنا بل والحدود العربية التي برزت منذ حرب الخليج وثمانينيات القرن مع تضخم جماعات الإسلام السياسي وحتى «القاعدة» وأخواتها.. ليكلل «يوم التأسيس»، الذي أعاد تاريخنا لتجربة وطن تشكل بتضحيات كبرى، ساعياً لطموحاتنا التي تبلغ عنان السماء!.