د. عبدالرحمن بن حمد السعيد
ودع الوطن مساء أمس رجل من خيرة وأكرم مواطنيه.. فقد رحل عن عالمنا بعد صراع شديد مع المرض الشيخ عبدالعزيز المنقور، تاركًا خلفه سيرة عطرة ومثلاً يحتذى على المواطنة الحقة والعطاء غير المحدود.
كان قرار ابتعاث الآلاف من شبابنا إلى مناهل العلم في عدد من الدول وأولها الولايات المتحدة خطوة كبرى على طريق التقدم والنماء غير المسبوق في حجم وتنوع مواقعه ونتائجه المبهرة.. الولايات المتحدة بجامعاتها الكثيرة حظيت بنصيب الأسد من مبتعثينا وكان الشيخ عبدالعزيز في استقبالهم.. ابتسامته تكاد لا تغادر وجهه المشرق.. رافقهم في رحلة الغربة والعلم.. احتضنهم وغمرهم بعطف الأب وحرص المسؤول.. لم يفرق بينهم على أسس مناطقية أو قبلية.. الكل حظي برعاية ومحبة ومتابعة متساوية..
كان هناك عندما احتجناه.. يقيل العثرة.. ويبارك النجاح والتفوق.. وربما جاز القول إن المنقور (هكذا كنا نسميه) ترك في حياة الآلاف أثرًا تربويًا وإنسانيًا وعاطفيًا لم يتركه بشكل مباشر إلا القليل..
كان الطلاب يحضرون لقاءاته في مدنهم وقراهم التي يدرسون فيها وجلين.. ليخرجوا منها فرحين متفائلين.
كان قدره أن يُمكن أكبر عدد ممكن من الوصول إلى القمة.. ممسكًا بأيديهم.. متناسيًا هفواتهم.. فرحًا بنجاحاتهم.. ثم متابعًا لعطاءاتهم حين عادوا للمشاركة في تنمية ورفعة الوطن.. لم يكن أسعد من أبي محمد وهو يسمع عن نجاح أحدهم في إحداث أثر في مسيرة التنمية والرخاء... وقد عاش ليرى غرسه وقد أينع واستوى..
كانت سعادته لا توصف وهو يعيش ويشهد كل هذا الكم الهائل من الإنجازات التي شملت كل شبر من هذا الوطن/ القارة.. كانت فرحته غامرة وهو يرى وطنه في مقدمة الدول نماءً ورخاءً واستقرارًا..
في الليلة التي خصصها كل أسبوع للقاء الأحبة لم يكن ممكنًا تمييز الضيوف إلا على أساس الانتماء لوطن واحد.. يسمع منهم بفرح غامر ما تحقق لهم من تفوق وعطاء.. يحدثهم عن آخر كتاب قرأه.. يسألهم عن قراءاتهم.. كان حبه للمعرفة لا يعرف الحدود.. وكان دائمًا يسأل عمن لم تتح له رؤيته.. تلك على أي حال صفات شاركه فيها أبناء عمه (بل أقول إخوته) ناصر وعبدالمحسن المنقور..
رحم الله أبا محمد.. وأجزل له الثواب والمغفرة.. وجزاه خيرًا عن كل ما قدم لهذا الوطن وأبنائه..
وأتقدم للأخت الغالية أم محمد بأحر التعزية في قلب أحبته وأخلصت له ووفرت له كل ما يحتاجه ليزداد تألقًا وعطاءً..
ولإخوتي وأحبابي محمد وعبدالله وخالد والابنة الغالية سارة أقدم صادق العزاء في أب ندر له المثيل.. عشنا معاناتكم وكانت عظيمة.. وفرحنا معكم عندما سمعنا صوته قبل رحيله وهو يحمد الله ويرجو رحمته.. ولشقيقه الوفي الأستاذ عبدالكريم المنقور أحر التعازي والدعاء بعمر مديد على صحة ورضى من أكرم الأكرمين.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي .
اللهم اشمل عبدالعزيز المنقور وجميع المسلمين بواسع رحمتك وعظيم فضلك.. إنك سميع مجيب.