صور الحداثة والتقدم والنماء والإخاء التي يعيشها وطننا الطموح لم تكن لتتحقق إلا بتضحيات السابقين، لم تكن لتقوم لها قائمة إلا بصدورٍ سكنها الحق، واستوطن في معانيها الصمود، ونفوسٍ أيقنت أن النصر والتمكين يكونُ ممدودا ومعقودا بكلمة التوحيد، هذه العيونُ الطاهرة التي رأت الحق في صوت الإمام محمد بن سعود، وهذه ذاتها الصدور الزاكية التي وقفت قلاعا وجبالا وحصونا في الدرعية وفي غيرها، وهي التي تلقت الغدركما تلقاه الأسبقون ووجوههم تلقاء الكعبة الغراء، ننظر في عينيك أيها الإمام «محمد بن سعود» وهي تحدق في المستقبل، وتدرك كل المعاني الصعبة، وكل الطرق المستحيلة لكنها لا تأبه بها «شموخاً كجبال طويق»، وعزيمةً تأججت في نفسِ من سبق حتى يعود صداها يتردد في نفس كل سعودي وسعودية.
إن عزيمتنا لا تحيد، وأن قوتنا وقيمنا العظيمة قد استلهمناها منذ ذلك العهد الرشيد.. يوم بدينا الذي يحمل معاني الفخروالاعتزاز.. فأقسمنا أن نحفظ هذا الوطن ترنيمة تتردد، ووسما على ساعدنا يتجدد، جيوشٌ هنا وهناك؛ وعزائم معقودة لإطفاء جذوة الطموح السعودي، مؤامرات ودسائس، ولسان حال السعوديين ومقالهم «إذا سيد منّا خلا قام سيدُ»، فكنا كالنور عقيدةً وإخاء، وكلما أرادوا أن يطفئوا لنا نوراً، زهت بداخلنا العقيدةُ نورا للسماء، فأي حالٍ سامقٍ يا ترى كنا عليه، وأي حالٍ قاتمٍ آلو إليه، الذي عرف الدولة السعودية اليوم كصورةٍ مجتزأةٍ عن ماضيها الرحب بتضحياته وتساميه فما عرفها حق المعرفة، وما رأى قافلةً تسير، وما أحس بالجفاف الذي ضرب أكباد الإبل والرجال، ولا أدرك الجهدَ والتعب والنصب والهجرة، وافتراش الأرض، والسماء اللحاف، والموت الذي تردد صداه على آذان الأوفياء حتى تصل إلينا رسالتهم «لقد قد مناكل شيء حتى نعطيكم كل شيء»، والفتى السيد الذي يوم أن سألوه فأجاب: الرياضُ أحسن، وعرفوا أن له شأنا كما كان الشأن والتمكين لمن سبقوه، ومن أراد أن يَعلم ويُعلّم فليقرأ التأريخ، ليقرأ عن الأجداد والأحفاد ما فعلوا، يوم التأسيس بدأ ولم ينته، بدأ نورا، وسيستمر إشعاعا، بدأ عقيدةً فنما في النفوس صدقا، ويقينا أن هذا الوطن نقش على البدن، يسكن العين والفؤاد، قصيدتهُ كجذورٍ حوت دما كُتبت بسواعد الشمِ من الأجداد، الذين ما برحوا أن أشرقت بسمتهم للرمال السمرِ في شغفٍ، وللصواري وللأمواج والسفن، وما هدأت وطأتهم فلا البر اتسع لنزعة الطموح فيهم، ولا البحر بمده وجزره استطاع أن يثنيهم، ولأن الله وفقهم، قويت عزائمهم، وبهم قويت عزائمنا، وزاد ارتباطنا بنبض مركزنا، بجنوبنا المدافعة، وبشمالنا المنطلقة، وبشرقنا الزاهي، وبغربنا المعظمة، وإيماننا قولا وفعلا، بكفٍ جاور النبض، فعظم على إثره الحب، وما الحب فيه إلا من الإيمان، وما التفاني لأجله إلا «الوفاء بعينه» مما سبقنا به الأولون، ووهبوه لنا، فأوجبوا علينا عهدا أن نكمل البناء، أن نكمل البناء، أن نكمل البناء.
** **
د. بدر بن محمد عقيلي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية