عطية محمد عطية عقيلان
تتنافس المطاعم ومحلات القهوة على تقديم منتجات تلبي حاجة الزبائن وتنال استحسانهم وتقبلهم لها، وتستثمر في توفير الأطعمة والأشربة الجاذبة لهم، ومن أهم المشكلات التي تواجهها لتحقيق النجاح، ثبات الجودة في الطعم المناسب للزبائن، لذا في عام 1980م أُنشأ ما يعرف «اتحاد الذواقيين العالميين»، وهم مجموعة من الأشخاص الذين لديهم القدرة على تذوق الطعام والشراب وتصنيف جودته وتقييمه بحسب النجوم، وأفضلها من يحصل على فئة 5 نجوم، ويصبح سعره أغلى ويتميز عن غيره. ونشطت مهنة الذواقيين في العالم مع انتشار العلامات التجارية والمطاعم والمقاهي، لضمان جودة وطعم ثابت في منتجاتها وجميع فروعها حول العالم، وهذا استلزم الاعتماد على وظيفة «الذواق» لعمل الخلطات الموحدة للمنتجات، مع مراعاة الذوق بحسب البلدان والمناطق، فمثلاً تستقطب الأكلات الحارة بالبهارات في آسيا والشرق الأوسط، والأكلات التي تحتوي على الخضار في أوروبا، والأكلات السريعة في أمريكا. واستطاعت الشركات العالمية أن تصل بثقافتها وبطعمها وشرابها إلى مختلف الدول وتوحد الذائقة في الشراب والطعام وتعدل كثيرًا من ذائقة الناس لتقبل منتجاتهم، وتبقى وظيفة «الذواق» مهمة في نجاح العلامات التجارية في المطاعم والمقاهي، والتي نجح كثيرًا من الشركات الغربية فيها، مع تجارب ناجحة محدودة في عالمنا العربي، مع ملاحظة اختلاف طعم الأكل والشراب بين فرع وآخر للعلامة التجارية العربية، وهذا في رأيي يرجع إلى عدم اقتناع ملاك هذه العلامات التجارية والمنتجات لمهنة «الذواق»، والاعتماد على الشيف «إن وُجد» في كل فرع، مع الاعتداد برأي المالك أو المدير، دون اعتبار أنها موهبة وقدرة فطرية للشخص يمتاز بها عن غيره، ونحن في حياتنا نعاشر ناسًا لهم قدرة على التذوق ومعرفة المكونات وتمييزها، مع الحكم على جودة المواد المستخدمة وطريقة الطبخ، طبعًا مع اختلاف الأشخاص في الميل إلى الأكل المالح، أو الحار، أو الحلو أو المر، ولكن يبقى هناك اتفاق عام على تميز هذا المطعم أو ذاك بشكل عام. وهناك قصة علوش بن ظويهر في قدرته على تذوق القهوة والحكم عليها، ولا أحد يجاريه في عصره الذي عاش فيه في نجد في القرن الثامن عشر الميلادية، حيث عُرف عنه تذوقه لطعم القهوة وقدرته على تمييز جودتها، بل كان يتعداها في الذوق لمعرفة القهوة «الصايدة» والطعم الممزوج بها، فيُروى أنه عند تقديم فنجال قهوة له لم يشربه وقام بسكه خلف المسند، وانتبه له مقدم القهوة وألح لمعرفة قيامه بذلك، وأخبرهم أن القهوة «صايدة» ووقع فيها قعس أي خنفساء، وفعلاً عند البحث في الدلة الكبيرة المسماة «الخمرة» وتصفيتها وجدوا القعس، ومن ثم دخلوا في تحدٍ معه لاختباره في تمييز طعم القهوة، وأضيف في كل مرة نوع مختلف، حيث أضيف مرة الشعير، ومرة عود السواك، ومرة قهوة محروقة وقهوة نية، وكان يعرف الطعم ويدل على المادة الموجودة معها، رغم عدم تمييز الآخرين لاختلاف الطعم، فهي صفة فريدة وفطرية وقد تُنمَّى مع كثرة التذوق، لذا تعتبر مهنة مهمة لمن أراد التميز والتوسع والنجاح والحفاظ على جودة طعامه وشرابه.
لذا عزيزي القارئ لا تستغرب ثبات الجودة في العلامات التجارية العالمية في أي بلد وأي فرع، ولا تنصدم من العلامات المحلية، بعدم القدرة على الانتشار عالميًا والمنافسة، لأن الطعم يتغير بحسب الفرع والوقت، لأن فكرة «الذواق» ليست موجودة عند الأغلبية، لذا ترى بعض المطاعم «حبة فوق وحبة تحت»، لأن المدير والطباخ والكاشير هو الذواق الذين يتممون على رأي المدير وذوقه، وإن كانوا من أصحاب الكروش والأكل المالح، ولن تستطيع المطاعم المنافسة والحصول على التصنيف «خمس نجوم» بلا منظومة متكاملة بدءًا من «الذواق» والاهتمام بالجودة ومعايير صارمة فيها، وذلك يستدعي أهمية وجود معاهد فنون الطبخ والاهتمام باكتشاف «الذواقة»، كمهنة مطلوبة وتدر دخلاً مجزيًا لأصحابها وتحول ألسنتهم إلى «فئة الخمس نجوم» من حيث الدخل وتصنيف المطاعم والمقاهي.