فضل بن سعد البوعينين
تحتفي المملكة بذكرى تأسيس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى في العام 1727م، التي شكلت المرحلة الأولى لبناء الدولة الحديثة التي نعيش في كنفها اليوم، أو الحلم الذي تحول إلى واقع معاش، بفضل الله أولاً، ثم بجهود الأئمة والملوك الذين ثبتوا أركان الحكم، وواصلوا البناء تحت راية الإسلام وقاعدة الشريعة.
حرص قادتها على تحصينها من الداخل، وتوسيع مساحتها ليعم الخير فيها، ويشاع الأمن بين الناس، فتتحول إلى مقر القبائل المتناحرة، والباحثين عن الطمأنينة والعيش الكريم.
كان السر في استدامتها، بعد توفيق الله، العلاقة الاستثنائية بين حكامها ومواطنيها، والثقة والولاء، والبيعة الإسلامية، وحرص جميع قادتها على حماية أمنها وإكرام مواطنيها، وتحقيق منعتها، وتنميتها وفق المتاح في مراحل بنائها، والحكم بشريعة الله السمحة. قيام الدولة السعودية على كتاب الله وسنة نبيه، جعلها أكثر منعة واستدامة، كما أن تضحيات أئمتها في مراحل تأسيسها، وتقديم حياتهم لإنقاذ رعاياهم زاد في تمكينها والتفاف الجميع حولهم، وتثبيت البيعة وترسيخ الولاء.
لم يتدخل الغرب في إنشائها، ولم يتمكن الأعداء من فرض سيطرتهم عليها أو إنهاء وجودها، برغم التحديات والحروب والمحاولات البائسة التي تسببت بتدمير الدرعية، وبث الفتنة، وغرس بذور الفرقة والتناحر. حملات عسكرية مشؤومة كادت أن تنهي حلم الدولة الحديثة، لولا مشيئة الله، ثم عزم الرجال والقادة الذين تشربوا أصول الزعامة، والإصرار على بناء الدولة واستدامتها. فكلما توفيّ قائد من قادتها، أو استشهد، أخرج الله من أصلابهم قادة حملوا هم الدولة، ولواء الزعامة، ومضوا راشدين نحو المستقبل. إنها مشيئة الله في خلقه وتدبيره لعباده، ومن يستذكر التاريخ يجد فيه العبر وقدرة الله على تسيير الأمور لما فيه الخير والصلاح. ثلاثة قرون من التوحيد، والبناء والنماء، وترسيخ الأمن، وإرساء قواعد الاستقرار والاستدامة، والتضحيات الجليلة التي أسهمت جميعها في توحيد المملكة العربية السعودية على قواعد الدولة السعودية الأولى والثانية ووفق رؤيتها الإسلامية، وعراقتها الأصيلة، وجذورها الممتدة عبر التاريخ. تحديات كبرى شهدها الملك عبدالعزيز، ورجاله رحمهم الله جميعاً، وجهود مباركة تمخض عنها توحيد المملكة بمساحتها الشاسعة، وإرساء دولة المؤسسات، وبدء مرحلة البناء والنماء والتنمية الشاملة. ونشهد اليوم في ذكرى تأسيس الدولة السعودية، تأسيساً آخر من منظور تنموي صرف، وهو تأسيس الدولة الحديثة، على أسس اقتصادية متينة محققة للاستدامة، وبناء المستقبل على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله. فالقوة الاقتصادية والملاءة المالية والتقدم التكنولوجي بات أساساً لاستدامة الدول وقوتها، ومن هنا أطلق سمو ولي العهد رؤية المملكة 2030 التي أعادت هيكلة الاقتصاد، وبناء الحاضر وفق رؤية مستقبلية فاحصة. رؤية تستهدف تحويل المملكة إلى نموذج رائد في جميع المجالات. يؤكد ذلك ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بأن «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على الأصعدة كافة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك». ومنذ ذلك وجهود التحول والتطوير والتغيير مستمرة، وفق رؤية إستراتيجية طالت جميع نواحي الحياة.
استثمار الموارد المالية والمقومات المتاحة لتنمية الوطن وخدمة المواطنين هو ديدن القيادة السعودية، وهو سر الاستدامة بعد توفيق الله، وأجزم أن رؤية 2030 وضعت أسس البناء الحديث والتنمية النوعية وصناعة المستقبل، فهي «رؤية الحاضر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم لِلغد، بحيث تعبر عن طموحاتنا جميعاً وتعكس قدرات بلادنا». حبا الله هذه البلاد بمقومات اقتصادية ضخمة ونوعية أصبحت مع الرؤية من محركات الاقتصاد وبناء المستقبل. ورزقها بقيادة حكيمة أرست أركان الحكم الرشيد الذي أرسى قاعدة الدولة السعودية وضمن لها بعد الله، الاستدامة والنماء والولاء.