د.شريف بن محمد الأتربي
يوماً بعد يوم تثبت المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة قدرتها على تنفيذ رؤية المملكة 2030 وخصوصاً في مجال تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة. فقبل أيام قليلة أعلن سمو ولي العهد -حفظه الله - نقل 4 % من أسهم أرامكو لصندوق الاستثمارات العامة ليدعم خطط رفع أصول الصندوق إلى نحو 4 تريليونات ريال بنهاية عام 2025. ونتيجة لذلك تقدّم الصندوق إلى المرتبة السادسة بين أكبر صناديق الثروة السيادية بعد ارتفاع أصوله لتصل إلى 580 مليار دولار، وفقاً لآخر تصنيف لمؤسسة (SWF Institute) المتخصصة في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية.
ويعود وجود صندوق الاستثمارات العامة ونشأته في المملكة لأكثر من 50 عاماً، حيث تأسس في عام 1971م الموافق لعام 1391هـ، وذلك بموجب المرسوم الملكي رقم (م/ 24)، وطوال تلك العقود الممتدة كان الصندوق رافداً اقتصادياً وطنياً ساهم -وما زال يساهم- في تأسيس الشركات الحيوية الكبرى محلياً، ومموِّلاً للكثير من المشاريع الإستراتيجية للاقتصاد الوطني، وقد أدَّى وجوده إلى تمكين اقتصاد المملكة من التقدم بخطوات متسارعة أهَّلته للانضمام إلى مجموعة العشرين التي تضم أقوى اقتصادات العالم.
وفي العام 1436هـ الموافق للعام 2015م حدثت النقلة النوعية في مسيرة الصندوق؛ إذ صدر قرار مجلس الوزراء رقم (270) المتضمن ربط الصندوق بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، حيث تمت بعد ذلك عملية إعادة تكوين مجلس الإدارة ليصبح برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة.
وتمثّل مشاريع الصندوق نموذج يقتدى به في مجال السياسات الخارجية للدول، بحيث تصبح هذه السياسات نفعية بعيداً عن الصراعات غير المبررة والتي تعود بالضرر على جميع الأطراف، وتمتد مشاريع الصندوق في مناطق عدة من العالم، تشمل شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا، ناهيك عن الاستثمارات المحلية، وقد شملت هذه المشاريع مجالات متنوِّعة، تشمل الطيران والدفاع، والمركبات، والنقل والخدمات اللوجستية، والأغذية والزراعة، ومواد وخدمات البناء والتشييد، والترفيه والسياحة والرياضة، والخدمات المالية، والقطاع العقاري، والمرافق الخدمية والطاقة، والمعادن والتعدين، والرعاية الصحية، والسلع الاستهلاكية والتجزئة، والاتصالات والإعلام والتقنية، تتمثَّل هذه المشاريع في 6 محافظ استثمارية، هي: محفظة الاستثمارات العالمية المتنوّعة، ومحفظة الاستثمارات العالمية، ومحفظة المشاريع السعودية الكبرى، ومحفظة الاستثمارات في المشاريع العقارية، ومشاريع تطوير البنية التحتية السعودية، ومحفظة الاستثمارات الهادفة إلى تطوير القطاعات الواعدة وتنميتها، ومحفظة الاستثمارات في الشركات السعودية.
وتعتمد مصادر تمويل الصندوق على عدة مصادر، هي: ضخ رؤوس الأموال من قبل الحكومة السعودية، تحويل أصول حكومية إلى الصندوق، القروض وأدوات الدين، بالإضافة إلى الأرباح المحتجزة من الاستثمارات.
إن صندوق الاستثمارات العامة الذي تملكه الدولة يمثّل الذراع الاقتصادي لها داخلياً وخارجياً، حيث تنوَّعت العلاقات الاقتصادية ما بينها وبين الدول الخارجية ما بين دعم مباشر، أو إقراض على شكل ودائع، وأخيراً الشراكات الاقتصادية من خلال الصندوق والتي يعود عائدها على الطرفين اقتصادياً واجتماعياً.
إن تجربة صندوق الاستثمارات العامة السعودي تجربة ثرية تحتاج إلى دراسة مفصّلة وموثقة توضح الدور الكبير الذي يقوم به هذا الصندوق داخلياً وخارجياً، وخاصة خارجياً لما فيه من دروس وعبر تحتاج الأجيال القادمة للتعرّف عليها والاستفادة منها، ولا مانع مطلقاً أن يسجّل بعض منها في المناهج الدراسية وخاصة مع تطوير هذه المناهج بما يتلاءم مع احتياجات سوق العمل وضمن إطار برنامج تنمية القدرات البشرية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 .