د. عبدالواحد الحميد
خيّم الحزن على قلوب تلاميذ ومحبي الأستاذ الكبير عبدالعزيز المنقور، الملحق التعليمي الأسبق في أمريكا، لرحيله إلى دار البقاء بعد معاناة مع المرض. وكانت وفاته صدمة لمحبيه وللآلاف من المبتعثين القدامى في الستينيات والسبعينيات ولكل من عرف هذا الرجل النادر في إخلاصه ووطنيته وحبه لعمله وإيمانه العميق برسالة التعليم وأهميته في تقدم الوطن.
كان رحيله صدمة لأنه كان يُشعِرُك عندما تتصل به بأن صحته على خير ما يرام، فهو بطبيعته لا يميل إلى الشكوى وكان متفائلاً رغم عبء السنين التي كان يحملها على كاهله وقد امتد به العمر رحمه الله حتى تجاوز التسعين. ثم حلت كارثة كورونا التي عزلت الناس عن بعضهم بعضا، فكان التواصل عن بُعد بالمكالمات الهاتفية هو الوسيلة الوحيدة للتواصل والاطمئنان على الأصدقاء والأحباب، وهنا تبرز الخصلة المتجذرة في أعماق أبي محمد وهي خصلة الحنو ومتابعة أحوال تلاميذه ومحبيه وأصدقائه، فكان يفاجئك ويتصل بك قبل أن تتصل به! ويشهد الله أنني كنت أشعر بالحرج كلما أخذتني مشاغل الحياة وكآبة كورونا فيفاجئني الأستاذ الكبير بواحدة من مكالماته التي يسأل فيها عن أحوالي وأحوال الزملاء حيث يتعذر اللقاء المباشر بسبب الجائحة، في حين أن الحق له وليس لغيره في أن يتلقى المكالمات من تلامذته ومحبيه ويسألون عن صحته وأحواله.
حين ذهبت في بعثة دراسية إلى أمريكا في النصف الثاني من السبعينيات الميلادية، كان الأستاذ المنقور يتهيأ للعودة إلى المملكة بعد خدمة طويلة كملحق تعليمي. وفي أقل من عام على وصولي لأمريكا كان الأستاذ المنقور قد غادر موقعه الوظيفي لكنني كنت أسمع قصص الإعجاب بسيرته على كل لسان بالرغم من أن رضا الناس غاية لا تدرك، وبخاصة رضا بعض الطلاب الذين قد تبدر منهم بعض الأخطاء السلوكية أو الدراسية، فكان من اللافت لي أن أسمع الإشادات بمنهج المنقور في العمل حتى من الطلاب الذين لم تَرُق لهم قرارات المنقور وقت صدورها ثم ما لبثوا أن أدركوا أنها كانت لصالحهم بالفعل!
لم يكن المنقور يكتفي بالمتابعة عن بُعد لأحوال الطلبة المبتعثين أو بالتقارير التي يكتبها الآخرون، بل كان يحضر بنفسه إلى الأماكن التي يوجد فيها الطلاب، وبعضهم كان يدرس في بلدات نائية صغيرة! فكان يتكبد مشاق السفر ويذهب إلى هناك بعيداً عن مقر مكتبه فيستمع إلى الطلاب ويتباسط معهم ويشاركهم حفلاتهم ومناسباتهم ويحل مشكلاتهم الشخصية والدراسية بأسلوب أبوي يجمع بين الرحمة والحزم. وبالرغم من عُلُو مكانته الوظيفية، كان الطلاب يشعرون بأنه صديق وأب وأخ كبير قبل أن يكون مسؤولاً يملك من الصلاحيات ما يمكن أن يؤثر في استمرارهم في البعثة أو فصلهم منها!
سيظل عبدالعزيز المنقور اسماً محفوراً في ذاكرة الآلاف من السعوديين والسعوديات الذين درسوا في أمريكا، ليس فقط أولئك الذين حالفهم الحظ وكانت بعثتهم في زمن المنقور وإنما أيضا الطلاب الذين التحقوا بالبعثة بعد عودته للمملكة وسمعوا ما يتناقله زملاؤهم الذين عرفوا المنقور شخصياً وتعاملوا معه.
أتمنى أن ينال المنقور ما يستحقه من التكريم الرسمي بعد أن أقام له محبوه وتلاميذه قبل سنوات حفلاً تكريمياً هو أهلٌ له، فمثل المنقور جدير بأن يكرم وهو الرجل الوطني الذي خدم الوطن وأجمع على محبته وتقديره آلاف الطلاب والطالبات من مختلف مناطق المملكة. أسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يسكنه فسيح جناته.