م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. النهوض كمشروع ليس أمراً إجرائياً تنفيذياً بحتاً يحتاج إلى مجرد قرار وتمويل واقتصار أمر التنفيذ على فئة قليلة تقوم بإنجازه.. مشروع النهضة مشروع جماعي.. نعم هو في الأصل يعتمد على القيادة التي تصنع الرؤية وتتخذ القرار لكن التنفيذ يشمل كامل مكونات المجتمع المطلوب منه النهوض.. ويقتضي ذلك الإيمان بالمبدأ ذاته بعد استيعابه وفهم أبعاده وتبعاته ونتائجه.. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بوجود تصور شامل وخارطة طريق مفصلة لما تدعو إليه الرؤية التي تقود إلى النهضة.. فهذا الذي يرسخ القناعة بفكرة النهضة وصلاحيتها له.. وأنها فكرة قابلة للتحقيق وليس حلماً مغامراً يريد أن يجر المجتمع وراءه لمصالحه الذاتية.. والقناعة بالفكرة لا تتم إلا بالمقارنة وإظهار الإمكانات المتاحة والنتائج المتوقعة والثمن الذي يجب أن يدفعه المجتمع للوصول إليها.
2. المشروع (أي مشروع) يقوم على أنشطة متعددة ومتتابعة، وفق خطة محددة، من خلال مشاريع وبرامج محددة، مصممة للوصول إلى مخرجات محددة، بميزانية محددة، ومدى زمني محدد.. ومشروع النهضة لا شك أنه مشروع الحياة الكبير لأي مجتمع.. وهو نشاط جماعي وجهد منظم، له مستهدفات ولديه معايير تُحَدَّد مستويات تحقيقها وفق جدول زمني ومراحل عمل تنظم كافة المناشط في كامل البلاد وتشمل كل فئات المجتمع.. لا يستثني أحداً ولا يُبْقي مكاناً ولا يترك مجالاً من مجالات الحياة العامة دون أن يمسه ويؤثّر فيه ويزيد من فاعليته في الاتجاه الذي تسلكه مسيرة النهوض وضمن إطارها العام المحدد مسبقاً.. كهدف يسعى المجتمع إلى الوصول إليه وفق خطة عمل مكتملة الأركان.
3. مشروع النهضة لا يقوم على الانغلاق سواء كان انغلاقاً فكرياً أو فئوياً.. فمشروع النهضة من كبر الحجم ما يستدعي أن يشارك الجميع ويسهموا في بنائه.. وهو مشروع مكلف مادياً ومجتمعياً.. وتداعيات الفشل فيه مؤثّرة إن لم تكن مدمّرة.. من هنا فإن الأمر يتطلب تكامل مجهودات المجتمع بكل مكوناته من جماعات وأفراد ومنظمات وجهات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني الخيرية والثقافية والرياضية والتجارية والزراعية والعلمية وغيرهم.. كل ذلك دون إقصاء أو تضييق على أحد لأي سبب مذهبي أو طائفي أو حزبي.. فالمشروع النهضوي يشمل الجميع.. حيث إن الجميع في ذات المركب السائر إلى النهضة.
4. مشروع النهضة لا يسعى إلى الفائدة الفورية إذا كان فيها إبعاد للفائدة الآجلة، ولا يقدم الترفيهي على الضروري، ولا يُغَلِّب الربح على التنمية، ولا يهتم بالشكل على حساب المضمون، ولا يهمل النوعية مقابل الكمية، كما يسعى لتحقيق الجودة في كل مناحي الحياة.. في مشروع النهضة من المُكَلِّف الهرولة عبثاً، أو تَعَجُّل قطف الثمار، أو العمل بلا منهج أو خطة محددة الأهداف والأعمال والمدة.
5. يبدأ مشروع النهضة بإدراك المجتمع لمكامن القوة فيه.. وبتوافر المعرفة والوسائل والإمكانات.. والوعي بما يمكن تحقيقه.. وتحديد موقعه في هذا العالم المحيط به.. لتتضح للمجتمع الرؤية ويستطيع من خلالها رسم خارطة الطريق التي يسير عليها لتحقيق أهدافه وتنظيم علاقاته وبناء كوادره.. مشروع النهضة له مرحلة تأسيس ثم مرحلة بناء.. وهذه المرحلة تستمر بلا انتهاء لكن نتيجتها حتماً هي الانتقال إلى مرحلة الحضارة.. وفي مرحلة الحضارة يستمر البناء النهضوي ولا يتوقف.. وإذا توقف بناء النهضة لأي سبب فهذا إعلان بانتهاء تلك الحضارة وبداية زوالها وحلول حضارة أخرى مكانها.. إذاً فعملية النهوض هي عملية مستمرة لا تتوقف.. أي أن النهضة نتيجتها هي الحضارة وتوقف النهضة يعني تخلف الحضارة وانهيارها.