د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
يقولون عنهم: إنهم تافهون، ثم ينشغلون بهم، ويحكون أنها كرةٌ تتقاذفُها الأقدام فإذا هم يتقاذفون التعصب، ويروُون أن الزمن لم يعد الزمن وهم وقودُ تبدله، ويزعمون انتماءَهم علنًا ويرتمون سرًا، وهؤلاءِ هم مشتركُ جميع الأمكنةِ والأزمنة، ينعُون واقعًا صنعوه، وأمانةً خذلوها، وبات الضجرُ مزاجًا مُعديًا:
كلُّ مَنْ لا قيتُ يشكو دهرَهُ
ليت شعري هذه الدنيا لمن!
والمعنى أننا نلبسُ ما نمقتُه، ونعافُ ما نأكلُه، ونُجاري النقدَ كي لا نُنتقد، ونستعيد:
أيُّ هذا الشاكي وما بك داءٌ..
** نأتزرُ بالعُري ظنًا أننا متدثرون، ويأسرنا السائدُ ونزعمُ أننا متفردون، والناتجُ ألَّا فرقَ بين الوجوه وإن اختلفت العمائم.
** هذه طبيعةُ الحياةِ والأحياء، وفي وقتٍ نعلمُه، كما تراثٍ نقرؤُه بلغنا حدًا من التطهر الانتقائيِّ سامهُ المعتضدُ بنُ عبّاد 407- 461هـ فزكَّى نفسَه بوهمِه وإن لم يُوهِم غيرَه:
فإنْ أردتَ إلهي بالورى حَسَنًا
فملِّكَنِّيْ زمامَ العُرْبِ والعجمِ
** ادّعاءُ الصلاح لا يعني الإصلاح، والبراءةُ من التسطيح لا تضمنُ العمق، وما نظنه حادثًا قديمٌ قدم «الحادِثَين»، وتتوارى الطبقةُ الوازنةُ المتزنةُ، أو تتخلّى عن قيمِها سعيًا للحاق بركب الانتشارِ والثروةِ والحضور الوجاهيِّ، وهو ما قد يحققه «الشعبيون» بإضافة أرقامٍ دون أفهام لتضخيم أرصدتهم الدعائية.
** لا نحتاجُ إلى استرجاعِ ما أصَّله الباحثون حول انهيار المجتمعات حين يسكنها اللهو واللغو، وعندما يسودُ الترفُ والشظفُ في ضفتين متقابلتين متقاربتين؛ فلا ذاك يُعطي ولا هذا يَجدُ، وهو حكمٌ له ما ينقُضُه، كما هي أسبابٌ وعتها الدولُ والشعوب إذ لا يدومُ الحالُ ولو رعاه الصالحون ووعاه المستصلَحون.
** تبقى قضيةُ السلوك الذي يسكنه الصخبُ والاختصامُ، وإن لم يكنْ عامًا فإنه يدعو إلى الدهشة؛ فكيف يقترن الفرحُ بما يُكدِّرُه، ولمَاذا يخفتُ صوتُ دواعيه، وأين أقسامُ الاجتماع والجمعياتُ المهنيةُ عن دراسته ونشر محصلته، وقد أيقن صاحبكم أن في نظريته عن تكامل «التربة والتربية» جلاءَ الدوافع وبوادرَ الحل؛ فإما أن يكون الخلل في التربة أو في التربية أو فيهما معًا، واستصلاحُ التربةِ وتعزيزُ التربيةِ ممكنان، وحين لا يجديان فالنظامُ قادرٌ على زرع مساحاتِ التسامحِ، وصدِّ معكراتِ الجمال.
** وتبقى قضية التبدلات؛ فلا دلالة في سيطرةِ تيارٍ أو توجه؛ فلم تأتِ الصحوةُ نتاجَ وعيٍ مجتمعيٍ، ولم تُغادرْ لوعيٍ آخر، والظنُّ أننا نحتاج إلى الدراسات أكثر من الإنشائيات؛ فسننُ الله ماضيةٌ، ولو أجْدَتِ الخُطبُ لما دنّس الأقصى يهود، ولما قتل الأبرياءَ طاغية، ولما صار للفرسِ جولةٌ، ولما أثارَ الشبهاتِ مشبوهٌ، ولما ناوأَ الحقَّ مُبطلٌ وغلبه باطل؛ فلله الأمرُ يدبرُ ما يشاء كما يشاء.
** إنه دورُ الفكرِ ليرصدَ ويقرأَ ويستقرئَ ويحللَ ويتابعَ؛ فالحكيُ والحكواتيون يكررون المكرر، وليس في الأفقِ المتجدد ما يُتيحُ مساحاتٍ لالتماسِ إمضاءاتٍ لا تتكئُ على معادلات، أو لَوكِ نظرياتٍ مدادُها التخويفُ والإساءات.
** للحياةِ لونٌ أخضر.