عطية محمد عطية عقيلان
نسعى طيلة حياتنا لتحقيق الانتصارات على جميع الأصعدة، ونشعر بسعادة غامرة عند الفوز والربح، ونزهو بأنفسنا وذكائنا وصحة كلامنا وحسن تدبيرنا، متناسين أن الربح الدائم ليس بالضرورة هو انتصار، بل إن الخسارة الآنية التي نراها أمامنا قد تكون هي ربحاً على المدى البعيد والعكس صحيح، فعند شراء بضائع وقت التخفيض بأقل 50 % من ثمنها، نعتقد أننا انتصرنا على التاجر بالحصول على بضاعته بسعر زهيد وبأقل أحيانا من تكلفتها، متناسين أن جلنا يشتري أشياء لا يستخدمها أو موجود مثلها عنده، ولكن فلسفة التجارة ومجاراة نفسية الزبون وايهامه بتحقيق الانتصار اللحظي، لتحفيزه للشراء واستغلال فرصة التخفيض العالية، ليكون الرابح الأكبر التاجر بتخلصه من البضائع بدل تكدسها لديه، وتحويلنا إلى مستهلكين بشراهة دون حد، لتكون النتيجة النهائية هي ربح التاجر رغم خسارته لجزء من قيمة بضاعته وخسارتنا لشراء ما لا نحتاجه رغم رخص سعره. لذا أنصح نفسي والآخرين بعدم البحث عن الانتصار في كل شيء، فالحياة ليس الهدف منها تحقيق الأرباح وعدم الخسارة، فهي ليست معركة أو حربا لا بد أن نتقاتل فيها للفوز والانتصار على الآخرين، فأحيانا تكون انتصاراتنا هزيمة لانسانيتنا وعلاقاتنا وقيمنا وحياتنا، ونحولها إلى ميزان الربح والخسارة والفائدة، دون اعتبار للمشاعر والألفة والتسامح والتغافل، وسنجد أنفسنا منعزلين عن علاقات طبيعية دون مصلحة، ونعيش وحيدين، نتيجة تفعيل الربح والخسارة في علاقاتنا، خاصة بوجود المنصب أو السلطة، فلابد من علاقات متوازنة دون تفريط أو تنفير، كما أنه لا يوجد انتصار في النقاش مع والديك وإثبات خطئهما وسوء تصرفهما وعدم اتخاذهما القرار الصائب، حاول مجاراتهما وعدم نقدهما أو بيان خطئهما، واحرص على مؤانستهما والاستماع الجيد لهما، وكلها من باب البر وخفض الجناح لهما، وتعجبني قصة متداولة في منصات التواصل الاجتماعي عن رجل يمازح والده الكبير في السن، ويسأله عن اسمه ليفاجئه «أثرك أبوي» وسط سعادة والده ومزحه الخفيف وحواره اللطيف مع والده وإدخاله السرور عليه، فلنسعى لذلك ولا نحاول الانتصار في النقاش معهما فهي ربح بطعم الخسارة ولو كنت على صواب، أيضا ليس هناك انتصار عند إثبات خطأ صديق أو قريب في النقاش أمام الناس لأنك ستخسره ويتجنبك قدر المستطاع، ولكل رب عمل أو مدير ليؤمن أن العلاقة مع الموظفين ليست قائمة على تطبيق القانون بحذافيره مع كل خطأأو تقصير، بل طبق روح القانون بالتسامح والصفح، وعند التوجيه احرص عليه بشكل شخصي وليس علنيا، أيضا ليس هناك انتصار عند خصم على الموظف أو العامل دون تنبيهه ولمس العذر له، ولنعتمد السماحة بعدم المفاصلة والمفاوضة في التعامل مع البائع على الطريق أو في محله، لست بحاجة للانتصار عليه بتخفيض السعر، ولنبتغي الأجر في السماحة واللين معه دون تبخيس بضاعته واستغلال حاجته، كذلك في قيادتنا للسيارة تواجهنا مئات المشكلات على الطريق والأخطاء بحقنا من الآخرين وأغلبها بدون قصد فلا نحاول أن ننتصر فيها لأننا على حق، فالقيادة أخلاق وتسامح مع الآخرين، وأكثر المواقف التي نراها تحمل بعدًا أخلاقيًا بعيدًا عن البحث عن الانتصار والفوز فقط هي ما نراه في مختلف الملاعب واللعبات من مواقف أخلاقية عند تعرض لاعب لإصابة أو سقوط وبحاجة إلى علاج وتوقيف اللعب حتى ولو على حساب خسارة هجمة ممكن أن تحقق هدفًا أو نقطة، لأن الاعتبارات الأخلاقية والانسانية أهم من مجرد تحقيق الانتصار، وإن كان مهم ومسعى للجميع، ولكن قد تكون هزيمة صغيرة وبعد ذلك يتحقق انتصار أكبر وربح أفضل، وهناك مثل إيطالي يقول «خسارة الصوف، خير وأفضل من خسارة الخروف»، أي لا تهتم بالخسائر الصغيرة في الحياة، مقابل تحقيق ربح أكبر والعيش براحة وسلام وصحبة دائمة.