يأسرك الدكتور محمد بن سليمان القسومي، ببسمته الهادئة، وابتسامته العذبة، وطيبته الفطرية، فهو من الموطئين أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، وأحسبه ممن أثنى عليهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:» إن أحبَّكم إليّ أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويُؤلفون... الحديث».
ترجع معرفتي بالدكتور القسومي إلى عام 1407هـ، حيث كنتُ أدرس في كلية اللغة العربية التابعة لجامعة الإمام، وهو إذ ذاك شابٌ حديث التخرج يعمل في إدارة شؤون الطلاب بالكلية، لم أكن أعرفه، ولكني كنت أراه دائماً إذا ما صعدت إلى مبنى إدارة الكلية. وكتب الله اللقاء المباشر به، وذلك حين احتاجه زميلي الأستاذ محمد أحمد خليل، الذي مرَّ بظروف صعبة أدّت إلى تزايد غيابه وتأخر أعذراه الطبيّة وكان يحتاج بعض الوقت لإحضارها وعرضها على الأساتذة خشية الحرمان، فعندها أشرتُ عليه بالذهاب إلى إدارة شؤون الطلاب لعلنا نجد من يفهم الوضع ليساعدنا ويوجّهنا، وبالفعل كان اللقاء المفعم بالحفاوة والكرم من ذلك الشاب المؤدب الخجول الذائق، الذي أجلسنا مُهدأً خوفنا وارتباكنا، وما إن بدأنا الحديث معه حول المشكلة، حتّى كان منه الاطمئنان؛ إيمانًا منه أنَّ الطالب الذي يمرُّ بظروف له فرصة مازال قائما يسعى لها. ومّما يُحمد له أنَّه لا يتأثّرٍ بالألقاب والأسماء البتة، فسجّل اسم زميلي ووعده بالنظر في موضوعه ليسعَ له بالفرصة.
وهنا انتهزت الفرصة لأعرّفه بنفسي، فقلت له: أنا حسن حجاب الحازمي، وأنا وزميلي محمد من منطقة جازان؛ فنهض من جلسته وعاد إلى الترحيب بحرارة أشد واستعدادٍ أكبر للخدمة قائلًا: أنتم من جازان؟ يا مرحباً بأهل جازان، أهل الشعر والأدب. ثم سألني عن علاقتي بالأديب حجاب الحازمي؟ فقلت له: والدي. قال: ما شاء الله، أنا أعرفه وقرأت بعض كتبه، وتواصلت معه هاتفياً؛ لأني أنوي دراسة شعر شاعر جازان العظيم محمد السنوسي، وأفادني كثيراً، وأنوي زيارة جازان لمقابلة أبناء الشاعر، وبعض الأدباء لجمع المعلومات. قلت له: على الرَّحب والسعة، مرحباً بك في جازان، وستجدنا في خدمتك.
واصل محمد القسومي دراساته العليا، وأنجز أطروحة الماجستير عن الشاعر الكبير محمد بن علي السنوسي، وكان أول باحث سعودي يتناول شعر السنوسي وحياته، وتبعه بعد ذلك كثيرون، مستفيدين من رسالته العلمية التأسيسية، وجمع شعر السنوسي الذي لم ينشر في ديوان سماه (المنسي من شعر السنوسي).
ثم أنجز بعد ذلك أطروحته للدكتوراه عن الشعر في مكة والمدينة في القرنين التاسع والعاشر الهجريين.
وترقى أستاذاً مساعداً في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام، ثم ترقَّى بعد ذلك إلى أستاذٍ مشاركٍ.
أشرف على العديد من الرسائل العلمية ويشهد له طلابه، بمدى إخلاصه، وحرصه، ودقته، وحسن توجيهه، وتوخيه الوصول إلى درجة الكمال، كل ذلك يتم بأدب جم، وتوجيه لطيف، ومتابعة حثيثة، أحلّته مكانة علية في قلوب طلابه.
وناقش العديد من الرسائل العلمية، ومن حضر تلك المناقشات أو سمعها يدرك حقاً أنه عالم جليل، وأستاذ قدير في تخصصه وأنه حريص كل الحرص على الدقة والمنهجية والأمانة العلمية، وعلى أن يكمل بناء الطالب المناقَش، ويسهم في توجيهه بكلّ لطف وأدب.
ولم يقتصر جهد محمد القسومي على محاضراته لطلابه في قاعات الدرس، بل كان نشطاً ومتحركاً وفاعلاً في كل الاتجاهات، إذ تحمل مسؤوليات إدارية كثيرة منذ بدايات عمله، فعمل في شعبة شؤون الطلاب، وشعبة الامتحانات وقسم النشاط الطلابي، ثم تولى وكالة قسم اللغة العربية ثلاث سنوات، فرئيساً للقسم لفترتين متواليتين؛ ويشهد جميع زملائه في القسم بأنه أحدث نقلة نوعية في قسم اللغة العربية خلالهما، سواء في برامجه وأنشطته وحضوره على مستوى الكلية والجامعة، أو في خلق أجواء الألفة والوئام داخل القسم بحسن إدارته وجميل خلقه، ولطف معشره، وسماحة قلبه. وبالإضافة إلى كل ذلك شارك في عضوية عشرات اللجان العلمية والإدارية على مستوى الكلية والجامعة وخارجها.
وعلى مستوى البحث العلمي شارك -أيضًا- في عدد كبير من المؤتمرات العلمية والملتقيات الأدبية داخل المملكة وخارجها، ونشر العديد من الأبحاث العلمية في تخصصه. وفي الجانب الثقافي، شارك في إعداد وتقديم عدد من البرامج الإذاعية عبر إذاعة الرياض، وكتب الكثير من المقالات الأدبية والنقدية في الصحف والمجلات الأدبية المتخصصة، وهو عضو في نادي الرياض الأدبي، ورئيس تحرير مجلة (قوافل) الأدبية الفصلية التي يصدرها نادي الرياض الأدبي.
إذن، فنحن أمام شخصيَّة علمية أدبية نقدية متميزة، حلّقت في كلّ الاتَّجاهات؛ فالدكتور محمد بن سليمان القسومي تميَّز وأبدع في كل المجالات التي عمل بها، وترك بصمة واضحة في العمل الإداري، والعلمي، والثقافي، والاجتماعي والإنساني؛ فاستحق الحفاوة والتقدير، ويستحق أن تُكتب فيه مئات الصفحات، وأن تُدرّس سيرته للأجيال لتحتذي حذوه في العلم والأدب، وحسن الخلق، ونفع الناس.
** **
أ.د حسن حجاب الحازمي - عضو مجلس شورى