الدكتور محمد القسومي.. عرفته قبل أكثر من عقد من الزمان رئيساً لقسم الأدب آنذاك، غير أنه لم يكن رئيساً تقليديًّا، فقد كنت أراه في مجلس القسم يُقيّد ما يسمع من نقد، ويداخل بما يفتح الله له من حديث عميق، وصرت أراه يوما إثر يوم تتكوّن شخصيته الناقدة، وعندما انتهت مدة تكليفه الإدارية، صرت أراه منهمكا بتكوين آلياته النقدية، وقد بدا ذلك واضحا في بحوثه المُحكَّمة، وأعمال طلابه التي يقدمها مرشدا أو مشرفا؛ ونظرا لأنّني آنذاك كنت واحدا من لجنة الخطط البحثية التي تحكُم على سائر خطط القسم، حيث كانت اللجنة برئاسة أستاذنا الكبير الأستاذ الدكتور محمد القاضي – حفظه الله- فقد كنتُ ألحظ عن كثب اختلاف طلاب الدكتور محمد القسومي عن طلاب زملائنا الآخرين، بموضوعاتهم الجديدة، وعنوانانهم السديدة، ومناهجهم الموَفّقة، وكنّا نَشتمُّ في كل عمل مُقدّم عبقه الصادق مع طلابه، لاسيّما وهو يصدر عن قناعة علميَّة تأسست من قراءاته في المناهج الحديثة، والمنجز الجديد في الدراسات النّقدية، هذا مع طلّابه، أمَّا مع طلّاب غيره ممن تُعرض خططهم على القسم في اجتماعاته؛ فإنّه يحرص على أن يقرأها بدقّة، وبنهم كبير، فتراه يُعلّق على المنهج، والفكرة، والأسلوب، وغير ذلك من العناصر العلمية، حتى أجدني أحيانا أغبطه على الوقت الذي يُعطيه للآخرين لإفادتهم، وكثيرا ما تحول اختلاف وجهات الرأي معه إلى عراك علمي ماتع ومفيد، قائم على التقدير وتحاب الأخوة. ولاشكَّ فهو ناقد مُنظَّم، وأستاذ جامعي حريص على تجويد أدواته، وغيور على مهنته، ونافع لطلابه! وأكاد أجزم أنه يقرأ كما يقرأ طلابه، ولهذا تراه متطورا علميًّا، ونقديًّا، مُفيدًا زملاءه وطلابه؛ إذ هو كالعود الذي كلما اقتربت منه نلتَ من عِطره الفواّح، فهو كريم بعلمه، سخي بمعارفه، ودود مع زملائه، متواضع مع طلابه؛ فلذا تراهم يلتفّون حوله، ينهلون من علمه الغزير، يقوّم أعمالهم، ويُوجّه موضوعات خططهم وفق المناهج التي تستنطقها، مثل: الأسلوبية، والإنشائية، والسيميائية، والموضوعاتية، والحجاجيّة، وغيرها من المناهج النصية الحديثة التي تعاطى آلياتها، وأجاد معطياتها.
سيظل محمد القسومي عاشقًا للمعرفة مُحبًّا للعطاء، سواء أكان في قاعات الدرس أم خارجها، فهو كحامل المسك، إن لم تبتع منه نفحكَ بطيبه الساحر!
دمت أخي الحبيب الناقد أبا أمين، ونفع الله بعلمك، وزادك من فضله، وتقبَّل منكّ ما قدَّمت لنا جميعًا
** **
د. عبد الرحمن كرم الدين - قسم الأدب - جامعة الإمام