يمرّ بالطالب عدد كبير من الأساتذة في مراحل التعليم المختلفة، يزودونه بالعلم، ويوجهونه لكل مفيد، ولهذا يشعر بفضلهم ومكانتهم؛ فيثني عليهم، ويدعو لهم، ولكن الطالب قد يتذكر منهم أساتذة معينين لأسباب متعددة، فربما وجد لديهم زيادة في الفضل والعلم، أو تأثر بسبب مواقف لهم معه، أو ارتاحت نفسه لهم، وتجتمع عندي تلك الأسباب إذا تذكرت أستاذي الحبيب سعادة الدكتور محمد القسومي.
تشرّفتُ بمعرفته عندما درّسني في مرحلة البكالوريوس مقرر النصوص قبل خمسة وعشرين عامًا تقريبًا، فوجدته يجمع في تعامله مع الطلاب بين سمو الخُلق والعلم، فهو أخ حنون، ذو أخلاق جمة رفيعة، تعلو محياه ابتسامة مشرقة، لا تكاد تفارقه، وهو أستاذ متمكَّن، واسع الاطلاع، متقن لفن إيصال المعلومة للطلاب، وإنَّي لأحتفظ بدفتر تلك المادة إلى الآن؛ لما فيها من فوائد جمّة.
وأشير إلى بعض الملامح التي رأيتها في شخصيته -حفظه الله-، ومن أبرزها: أنه قارئ نهم، يحب القراءة، ويُشجّع عليها، وهو مشغوف باقتناء الكتب، وأتذكر أنَّه -ذات مرَّة- استطرد في إحدى المحاضرات، وأخبرنا متأسفًا أنه بحث عن كتاب قديم نادر، فلم يجده، وسمَّاه لنا، فأخبرته أنَّني رأيته قبل أيام في مكتبة صغيرة في محافظة الخرج، فأضاء وجهه من شدة الفرح، وطلب منّي أن أحضره له مشترطًا أن آخذ ثمنه، فأحضرته له، فسألني عن ثمنه، فلم أخبره، ورفضت أن آخذ ثمنه، ولم ألبث طويلا حتى أهداني كتابًا، وأخبرني أنَّه اجتهد أن يكون هذا الكتاب مناسبًا لذوقي، فقبلته منه شاكرًا.
ومن تلك الملامح أنَّه قويّ الذّاكرة - ما شاء الله-، فهو يستحضر عن ظهر قلب كثيرًا من النصوص الأدبيّة والنقديّة، ويدرك أدق المواقف التي مرّت في المحاضرات السابقة، ويحفظ أسماء الطلاب، ويتذكّر الأسئلة التي طرحوها عليه، وهذا مما زاد الألفة بينه وبين طلابه والثّقة والإعجاب!
ومنها أنه مستمع من الطّراز الرفيع، فهو يتابعك عندما تُحدّثه، ولا يقاطعك مهما أطلت، ثم يجيبك مدركًا أبعاد كلامك، وهذا شجعني كثيرًا على سؤاله واستشارته في قاعة الدرس أو في مكتبه، فلم أجد منه تضايقًا ولا تبرّمًا، بل كنت أخرج منه بآراء سديدة وإجابات مقنعة.
أسأل الله أن يحفظه، وأن يمدّ في عمره على الطّاعة، وأن يجزيه خير الجزاء.
نعم الأستاذ!
ونعم القدوة!
** **
د. وليد الدوسري - قسم الُّلغة العربيّة - جامعة الأمير سطّام