«الجزيرة الثقافية» - مسعدة اليامي:
يحتاج مثلاً أعلى يترسم خطاه في البداية ثم يتجاوزه. لأن المثل الأعلى هو البوصلة التي تهدينا في متاهات القراءة والكتب. لكن أغلب شباب وفتيات هذا العصر لا يؤمنون بالأستاذ. لأنهم يرونه وصياً عليهم. لذلك نرى البعض يفتح له قناة في (اليوتيوب) ويقول فيها ما يشاء ويحلل بعض الكتب والروايات، وهو لم يتجاوز العشرين بعد. فهذا نضوج مبكر جداً. وقديماً قال أبو نواس:
قل للذي يدعي في العلم فلسفة
علمت شيئا وغابت عنك أشياء!!
ذلك التحليل الذي أوضح من قبل الأستاذ صلاح هندي الذي أكد أهمية القدوة في المسار الإبداعي.
* ((لا يمكن أن نحيا بطريقة لا تنسجم مع توقعاتنا لأنفسنا)) بعدما أبحرت في بحر الشعر والقصة ماذا كنت تتوقع لنفسك؟
- منذ صغري وأنا أحلم أن أكون كاتباً يقرأ الناس كتاباته. وكنت أحرص على قراءة المجلات والصحف في تلك الأيام. والحمد لله تحققت هذه الأمنية وصدق ذلك التوقع.
* الشغف من المكونات الأساسية في بناء الموهبة.. هل أنت شغوف بمواهبك. وإلى أي درجة؟
- شغفي بمواهبي حد الخيال. فأنا شخص منهمك في عزمي وإرادتي. أعشق التجديد في الكتابة ويحفزني الشعور بالنقص (ليس العقدة النفسية وإنما عدم الرضا بما أنجزت) إلى تجاوز ما حققته بالأمس. وكنت، وما أزال، أنافس شخصاً واحداً في هذه الحياة هو (صلاح بن هندي)!!
* كيف كانت عملية البناء التي انتهجت حتى أصبحت عندك طريقتك الخاصة في تقديم المادة الشعرية والقصصية عبر المنابر؟
- منذ صغري وأنا أحب تقمص شخصيات بعض الشعراء والأدباء، والحرص على تتبع لقاءاتهم في الصحف والتلفزيون وكنت أحب مواجهة الجماهير. بدأ ذلك من الطابور الصباحي في المدرسة حين كنت ألقي (مونالوجات ضاحكة) في المرحلة المتوسطة. وحين كبرت راسلت المجلات والصحف ثم أقيمت لي بعض الأمسيات داخل المملكة وخارجها على نطاق محدود. وفي هذا العصر صارت مواقع التواصل هي المنبر المنشود. لقد استفدت كثيراً من الشعراء والقاصين الكبار.
* الموهبة وحدها تكفي أو ماذا تحتاج حتى تكون كاملة البناء ما الذي احتجت أنت له حتى تمكنت من كتابة القصة والقصيدة بشكل صحيح؟
- بلا شك الموهبة وحدها لا تكفي. وأنا ممن صقل موهبته بشتى الأساليب من قراءة منوعة واطلاع وجلوس مع الكبار من الشعراء والقاصين. للأسف بعض شباب وفتيات هذا العصر لا يحرصون على الاستفادة من خبرة الأدباء الكبار ولا يتخذون لهم مثلا أعلى يقتدون به. لأن (النت) أغناهم عن ذلك وهذا غير صحيح.
* في ظل هذا العالم الأكثر انفتاحا ماذا يحتاج الموهوب حتى يكون فعلاً بحاراً في مجاله يدير دفته سفينته بحرفية؟
- يحتاج مثلاً أعلى يترسم خطاه في البداية ثم يتجاوزه. لأن المثل الأعلى هو البوصلة التي تهدينا في متاهات القراءة والكتب. لكن أغلب شباب وفتيات هذا العصر لا يؤمنون بالأستاذ. لأنهم يرونه وصياً عليهم. لذلك نرى البعض يفتح له قناة في (اليوتيوب) ويقول فيها ما يشاء ويحلل بعض الكتب والروايات وهو لم يتجاوز العشرين بعد. فهذا نضوج مبكر جدا. وقديما قال أبو نواس:
قل للذي يدعي في العلم فلسفة
علمت شيئا وغابت عنك أشياء!!
وهذا البيت هو حكمتي في الحياة.
* كم من الوقت تمضي مع خير جليس؟ وما نوع القراءات التي تقرأ؟ وكم كتاب تقرأ خلال العام الواحد؟
- الحقيقة أنني مع الكتاب أنسى نفسي. فربما جلست معه من خمس إلى ست ساعات في اليوم. ومما أعجبني في شباب وفتيات هذا العصر هو تحديد حصيلة ما قرأه في هذا العام. وأرى أن الشباب في هذا العصر يقرأ كثيراً. لكن للأسف قراءة عشوائية لأنه قرأ هذا الكتاب لأنه رآه أكثر مبيعاً أو لأن أحد الأشخاص أثنى على الكتاب في حسابه الخاص. وهذه القراءة لا تبني الشخصية ولا تصنع رؤية ثاقبة، وإنما هي تراكم معرفي وحسب، يفتقر للتحليل والنظر العميق.
* كيف تنتصر لموهبتك في ظل الواجبات والمسؤوليات الاجتماعية التي ورثناها من العصور القديمة ولا تزال إلى اليوم؟
- الحقيقة أنني انتصرت على ذلك قبل ست سنوات فقط!! حين جعلت دوامي فترة المساء. فخلا لي الجو وقت الصباح. فقرأت الكثير وألفت الكثير. وكم ندمت على أنني لم أفعل ذلك من قبل.
* الحجر الصحي كفل لك وقت فراغ كبير.. ماذا أنجزت خلال ذلك من أعمال إبداعية وقرائية؟
- فعلاً كان وقتاً كريماً علينا. فقد ألفت ما يقارب أربعة كتب. وقرأت بعض الكتب والروايات. وكان مجالاً للتأمل والهدوء. فما كنت منزعجاً وقتها.
* كيف رأيت البرامج الثقافية التي قدمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أثناء الحجر؟ وهل أنت مع استمرارها أو تغيبها بعد العودة لممارسة الحياة الطبيعية؟
- بالعكس أنا أرى استمرارها أفضل. لأن الاستعداد للقاءات المباشرة والذهاب إلى الأندية الأدبية والصوالين يأخذ منا الكثير من الشحن النفسي والذهني. لكن لا تكون بديلاً دائماً.
* كيف كانت مشاركاتك بالأمسيات الشعرية والقصصية خلال الحجر؟ وماذا أفدت واستفدت من ذلك خاصة أن هناك مشاركات عربية وخليجية؟
- للأسف أنا مقل في ظهوري ومشاركاتي الثقافية. لذلك لست معروفاً عند الكثير من المثقفين والمؤسسات الثقافية.
* كيف تستشعر حجم المسؤولية عندما تشارك في محفل ثقافي ويقال «شاعر» أو «قاص» من السعودية؟
- كنت، وما زلت، أحب أن يتميز السعودي في جميع المحافل الثقافية وغيرها، لأن السعودي شخصية مؤثرة ويملك كاريزما مؤثرة جدا. فكم هو جميل أن يضيف لهذه الكاريزما ثقافة راقية. لذلك أشعر بفخر حين أتنافس ثقافيا مع أشقائنا الخليجيين والعرب، وأشعر بمسؤولية كبيرة لأنني أنتمي إلى بلد له حضوره السياسي والديني والاقتصادي والثقافي على المستوى العالمي.
* ذلك الجنون الفكري والفلسفي الذي عجنت به ما سببه؟ وهل لعبت الطبيعة الخلابة دوراً في ذلك؟
- بلا شك أن طبيعة الأحساء لها أثر كبير على كل أحسائي، لذلك قيل عن شعرائها إن عددهم بعدد نخيلها. ولي بيتا شعر أقول فيهما:
قالوا: شمخت بهمة وإباء
قلت اقتديت بنخلة الأحساء!!
النخل علمني المروءة هازئا
بمناجل الأحقاد والبغضاء!!
أما الجانب الفلسفي فمصدره تجارب وتقلبات فكرية مررت بها.
* هل أصحاب الأصوات العالية يحدثون أثراً كالرصاص؟ وهل يظل ذلك الأثر فترة طويلة؟ وأيهم أكثر أثراً في تشكيل الحركة الثقافية المفكرين أو المبدعين؟
- البقاء دائماً في كل الشعوب والعصور للمبدعين ونصوصهم.
* المبدع الحقيقي لا يموت والشاهد على ذلك الكثير ممن رحلوا وتركوا وراءهم أثراً لا يزال يقرأ لليوم.. ألا ترى أن هناك تهافتاً على الظهور والحضور والمشاركة في وقتنا الحالي أكثر من أن تصنع بصمات ذات قيمة وأثر.. ما أسباب ذلك التفكير المعوج؟
- لا بد من الغث والسمين في كل شيء. ويحدث هذا في كل عصر وكل حضارة. لكن المشكلة حين لا تميز الأجيال بين الأمرين فيختلط عليها الغث والسمين.
* ملهم ما الفلسفة الفكرية الحقيقة للإلهام, في هذا الوقت الذي أصبح فيه الكل ملهماً, وإن لمع زجاج سيارة أو مطبخ أو أي عمل عادي يلتف حوله من يقول إنهُ ملهم؟!
- الملهم هو من يتمتع بنظرة عميقة للأشياء، ويستفيد من التجارب التي تمر عليه والأساتذة الكبار. الملهم هو شخص يختلف في نظرته عن الآخرين، لأنه ينظر نظرة تحليلية عميقة، فهو مبدع حقيقي لا مقلد.