عطية محمد عطية عقيلان
كانت الصحافة تعد السلطة الرابعة التي تؤثر في تشكيل رأي عام حول قضية أو قانون معين، وظهر المصطلح في نهاية القرن السابع عشر ميلادي، وتطورت الصحافة منذ ذلك التاريخ، وغدا الإعلام مؤثر في حياة الناس سواء على مستوى سن القوانين أو العادات الشرائية والتسوق، ومع ظهور وسائل جديدة كانت تأخذ من الصحافة دورها وسلطتها، بدءا من ظهور الإذاعة والتلفزيون والسينما، والمنافسة بينهم لاستقطاب أكبر عدد من الناس للتأثير فيهم، وكانت تتم وفق ضوابط من أناس محددين يرسمون خططهم بإحكام لتوجيه الرأي العام والتأثير في سلوكهم وعاداتهم حسب مصالح الفئة المسيطرة على وسائل الإعلام، وكانت تمارس التلون باحترافية وبأهداف محددة مسبقا مع سيطرة على نشر ما يريدون أن يقنعوا المتلقي به، وكانت السلطة الرابعة للإعلام مؤثرة وتقود الرأي العام وتوجهه، وكان رجال السياسة والتجارة يبحثون عن ودهم ويخشونهم، ولكن ضعف مؤخراً تأثير الإعلام والصحافة نتيجة ظهور منصات التواصل الاجتماعي، وأحدثت تبدل وضعف في حال وتأثير الإعلام التقليدي، ولم تعد هناك سلطة رابعة واحدة فقط، بل تعداه إلى عشرات السلطات التي تقود وتؤثر في الرأي العام، تبعا للشريحة المستهدفة، فما يؤثر في الشباب يختلف عن الشابات، وما يجذب الشاب الرياضي يختلف عما يجذب هواة السينما... فأصبح الوصول للشريحة المستهدفة أكثر موضوعية من قبل، لا سيما في التطور الذي وصل إليه تحليل البيانات والقدرة على تكوين رؤية واضحة عن تأثير كل وسيلة أو برنامج أو شخص، وصار من السهل تكوين سلطة تحقق المراد منها في تكوين رأي عام حول قضية أو هدف أو خبر معين.
لذا تحول ما كان يعرف «بالمنشيت» أو العنوان على الصفحة الأولى، وخبر عاجل وشريط أخباري في التلفزيون، لتصبح كلمة «ترند» و»هاشتاق» هي المتداولة في الخبر أو المعلومة المهمة التي يتداولها الناس وتنتشر بسرعة، لتكون سلطة «الترند» مؤثرة في تشكيل الرأي العام وتعاطفه وتسليط الضوء على قضية أو خبر معين، ورأينا كيف انتشرت حكاية الطفل المغربي ريان «رحمه الله» الذي سقط في البئر، وسط اهتمام دولي ومحلي بمتابعة قضيته على كافة منصات التواصل الإعلامي والاجتماعي وتداول من مختلف مشاهير ومفكرين وخلافهم، وكيف أثر هذا الترند في تحويل أنظار العالم صوب طفل في أقصى المغرب ومتابعة قصة محاولة إنقاذه لحظة بلحظة، ورغم وجود مئات آلاف من الأطفال الذين يعانون مثل أو أسوأ من «ريان» ولكن لم يصلهم الترند بعد، وشاهدنا الكثير من الأخبار المتداولة التي تتحول إلى ترند بتناولها قضايا سطحية وسخيفة مثل فستان الفنانة الفلانية أو طلاق علانة، وفي المقابل هناك فائدة إيجابية في صنع الترند، وهي قدرة الناس العاديين على لفت الانتباه وصنع التأثير المطلوب عند إطلاق هاشتاق أو ترند وتحقيق أهدافه بسرعة وتجاوب، كما حدث مع كشف موظف معين وتوجهاته أو الحاجة إلى علاج أو سكن لمحتاج... وختاما لا بد أن نحتاط عند التعامل مع ما يتم تداوله ولا يعني تصدره المشهد «والترند» بأنه صحيح، بل نرى كيف كشفت وسائل التواصل الاجتماعي التلون والتناقض الواضح لبعض من يدعون الحيادية، والتي تظهر بوضوح عند بعض المحللين السياسيين أو الرياضيين أو الاقتصاديين، وكيفية تناقضهم وتلونهم عند تناول خبر أو رأي أو حدث معين، وذلك حسب المصلحة سواء كانت مادية أو ميول أو عصبية، والغريب عند مواجهتهم بهذا التناقض في الحكم على نفس الموقف ولكن تغيرت الدولة، يردد ويكذب ما قاله، ويؤكد «انا ما قلت طحين.. قلت عجين».