د.فيصل بن عبدالله السويدي
منذ مستهل القرن الحالي والعالم قاطبة يعيش تغيرات جمة على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والعلوم التقنية، فانقسمت المنظمات على أثر ذلك إلى منظمات نجحت بكل اقتدار في مواكبة تلك التغيرات، والتعاطي مع متطلباتها مثل شركة جنرال الكتريك وشركة أبل وشركة أمازون وشركة تيسلا موتورز، وفي مقابل ذلك هناك منظمات تهاوت أمام رياح التغيير فاقتلعتها من جذورها، وألقت بها إلى عالم الفشل والنسيان كشركة نوكيا التي أدركها العجز في مواكبة تلك المتغيرات العصرية، وفشلت في تلبية تطلعات العملاء حيث لم تعد لديها تقنية عصرية تجذب المستخدمين لها فأصبحت تلك الشركة نسياً منسياً، وما شركة كودك للتصوير عنها ببعيد ففي عام 2012 أعلنت الشركة إفلاسها وعجزها التام عن التنبؤ باحتياجات المستخدمين، وفشلها الذريع في تطوير تقنية عالية الجودة تشبع احتياجات العملاء وتروي تطلعاتهم.
إن فشل تلك الشركتين وغيرها من الشركات التي لا يسع المكان لعرضها يعزى بالدرجة الأولى إلى افتقار قادتها إلى مقومات النجاح في قيادة التغيير مما أدى بعد ذلك إلى عجزهم عن التنبؤ بالتغيرات المستقبلية وآثارها المتلاحقة المعقدة وبناء استراتيجيات لها. فنجم عنه تلاشي تلك المنظمات من عالم الوجود، وبناء على ذلك أُجريت الكثير من الدراسات العلمية التي تتبعت أسباب فشل تلك المنظمات، وبُنيت نظريات التغيير ونماذجه التي أصبحت خارطة طريق لقادة التغيير، ولكن يلاحظ على تلك الأدبيات الشح في تحديد سمات قادة التغيير الذين هم محور عملية التغيير وربانه حيث يقع على عواتقهم نجاح التغيير من فشله، فعند تتبع سمات قادة التغيير الذين أحدثوا نقلة نوعية ناجحة لمنظماتهم أمثال: جاك ويلش، استيف جوبز، جيف بيزوس، ريتشارد برانسون، إيلون ماسك، ندرك أن هؤلاء القادة لديهم سمات لم تؤهلهم للقيادة فحسب بل إلى ما هو أبعد من ذلك وهو قيادة التغييرحيث إن للتغير قادته الحاذقين به المتمرسين فيه والمالكين لزمامه بكل احترافية واقتدار، فمما يميز قادة التغيير امتلاكهم لثلاثية النجاح التي تفردوا بها عن غيرهم وهي:
الكفاءة القيادية: وهي التي تجعل الأفراد يقتنعون به كقائد تولى زمام القيادة بكفاءة عالية دَل عليها امتلاكه للمعارف والمهارات التي تقنع الأفراد به كقائد فإن نجح في ذلك سيملك أزمة قلوبهم، وأعنَة أفئدتهم وسينسقون له منبهرين بمشروع التغيير الذي يتبناه، لذا على قائد التغيير أن يطور مهاراته، وينمي معارفه ما استطاع الى ذلك سبيلا، ثم يجتمع مع الأفراد باستمرار ليحكي لهم رؤيته، وأفكاره وطموحاته، وأحلامه المستقبلية؛ ليفهموا شخصيته ونمط تفكيره، وليكشف الضبابية التي ربما تكتنف مشروع التغيير، وهذا سيعزز القناعة بمشروع التغيير في ذوات الأفراد. وسينضم إلى ركب التغيير الحلف المقاوم للتغير من أفراد المنظمة، إن الكفاءة القيادية سيمتد أثرها ليشمل البيئة الخارجية التي تتمثل في الرعاة الرسميين لدعم برامج ومشاريع التغيير، وكذلك ستؤثر في المستثمرين الذين إن اقتنعوا بكفاءة القائد قَبِلوا جديد أفكاره وإبداع مشاريعه بطيبة نفس، وقد أكد ذلك أحد منظري القيادة ماكسويل (الناس يقتنعون بالقائد أولاً ثم رؤية القائد إن فَهَم هذا الأمر من شأنه أن يغير أسلوبك في قيادة الآخرين تماماً).
صناعة التحدي: القائد ابن بيئته محاط بتقاليد اجتماعية، ونظم تعليمية وهذه ربما تحكم القبضة على مفاصل التفكير لديه، وتقييد الوعي، ويسير في ركبها ويلف في فلكها، ويستسلم لها دون هوادة فتتبلد لديه الملكات الإبداعية، وهي تقف حائطا صلبا أمام القفز على الواقع وإحداث التغيير، لذا على قائد التغيير أن يتحدى نفسه؛ ليتحرر من تلك القيود، ويخرج من منطقة الراحة التي يركن إليها، ويرفع سقف الطموح لديه ليشعر بالقلق المرير إزاء الوضع الراهن، والحاجة الماسة للتغيير الذي يطمح إليه، ولا يحدث ذلك إلا عندما يملك رؤية يتأهب بها للمستقبل وتطوراته وبناء استراتيجية تأخذ بزمام مبادرات التطوير والرقي، ويوسع من دائرة مهامه ومسؤولياته، ويخوض تجارب جديدة وركوب مغامرات فوق طاقته لتعزز من خبراته وتجاربه، هذا سيجعله يكتشف مساحات جديدة في ذاته حيث هناك يُصنع الابتكار ويحل الإبداع، ويتحقق المستقبل الذي يرنو إليه قائد التغيير.
التمكين: إن التغيير ليس قراراً فردياً يتخذه القائد بصورة ارتجالية، بل هو مشروع شمولي يحمل في طياته مبررات التغيير، ومرتكزاته وأبعاده، لذا على القائد أن يُمكن منسوبي المنظمة من المشاركة في مشروع التغيير؛ لكي يحصل على أفكار إبداعية، ومعلومات ثرية يحدد من خلالها بوصلة التغيير، ويبني الرؤية والأهداف ويركز على أبعاد التغيير التي تحتاجها المنظمة: أهو تغيير في البعد المؤسسي، أم البعد التنظيمي، أم البعد الاجتماعي، أم البعد الفردي، أم في البعد التقني المستخدم أم بتغيير المنتج. إن تحديد أبعاد التغيير والأنموذج الأنسب لتطبيقه في المنشأة يسهل في انتقاء الاستراتيجيات التي تلائم المنظمة، وتساعد في تحقيق أهداف التغيير بسهولة ويسر، إن تمكين الأفراد من المشاركة في بناء مشروع التغيير لا يكفي لإنجاحه بل لابد أن يكون هناك تكامل بين حاجات الفرد، ورؤية المنظمة وأهدافها، فالأفراد يتطلعون إلى النتائج الإيجابية التي سيجنونها من التغيير، مثل منح المزيد من الصلاحيات والترقيات الوظيفية، والمكافآت المعنوية والمادية، والدورات التطويرية لمهاراتهم التي ستساعدهم على ممارسات مهام ما بعد التغيير، يقول بوسنر (لكي تكون أفضل قائد يجب عليك أن تعرف بعمق ما يريده الآخرون وأن تفهم آمالهم واحتياجاتهم ويجب أن تربطها ببعض الطرق التي تحفظ مشاركتهم).
ختاماً: إن تلك السمات السالفة الذكر ستساعد القادة لركوب موجة التغيير الذي لم يعد ترفاً، بل ضرورة ملحة يفرضه الواقع ويتنظره المستقبل، فالقادة بين خيارين إمِا قائد رافض للتغيير وهذا سائر نحو مستقبل مجهول، أو قائد يسعى للتغيير بقوة وهذا لا محالة سيصنع مستقبلاً أكثر فاعلية وإنتاجا وازدهاراً، يقول الأب الروحي لقيادة التغيير جون كوتر (لا يتوقف قادة التغيير حيث تتشكل القوة الدافعة بعد النجاحات الأولى ويقوم القادة بدعم التغييرات الأولية ثم يصنعون موجات التغيير واحدة تلو أخرى إلى أن تصبح الرؤية حقيقة).
** **
- أكاديمي متخصص في القيادة والجودة والتميز المؤسسي
@ALSUIADI