د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تفرض المخاطر الجيوسياسية التي تمر بأسوأ أزمة منذ نهاية الحرب الباردة بسبب قضية أوكرانيا، خصوصا بعد تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي طالب بوقف فوري لخط أنابيب الغاز الروسي - الألماني نورد ستريم 2 بعد قرار موسكو الاعتراف بالجمهوريات الانفصالية الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا، سطوتها بقوة على واقع سوق الطاقة في المرحلة الراهنة، خصوصا في ظل تعثر بعض منتجي أوبك+ تم تقييمه في يناير 2022 بعجز إمدادات قدره 600 ألف برميل يومياً، كذلك حذرت الدول المصدرة للغاز من قدرة محدودة على زيادة الإمدادات في 22/2/2022 وربطت ارتفاع أسعار الغاز بشكل أساسي بنقص الاستثمار.
ومنذ عام 2015 حذرت السعودية أن تراجع الاستثمارات من قبل منتجي الطاقة يثير المخاوف حول ظهور دورة أخرى من نقص المعروض، ومن ثم تعريض الأسواق لدرجة أكبر من التقلبات.
في خطوة بالغة الأهمية قال المستشار الألماني شولتس خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة الآيرلندي مايكل مارتن، الذي يزور برلين، إنه طلب من وزارة الاقتصاد إعادة تقييم التقرير الذي يدرس أمن الطاقة، حيث تعتبر ألمانيا المستورد الرئيسي للغاز الروسي بنسبة 55.2 في المائة من وارداتها من الغاز، وقد ساهمت في إنجاز خطي أنابيب نورد ستريم، مشروع تجنب الطرق البري عبر بيلاروسيا أو أوكرانيا حيث سلك بحر البلطيق يربط روسيا بألمانيا مباشرة، الأمر الذي أغضب عددا من دول شرق أوربا وحتى الولايات المتحدة، ما أثار عددا من الإشكاليات الاقتصادية والجيوسياسية.
رغم تحفظات الحلفاء لكنهم لم ينجحوا في منع إنجاز المشروعين، لكن بعد غزو روسيا أوكرانيا جعلت من ذلك موضوع استقطاب سياسي حاد، ما يعني فشل الانتقال الطاقي الذي تطمح له ألمانيا وأوروبا في التخلص من الطاقة النووية والفحم، خصوصا وأن هناك طلبا تصاعديا على الطاقة، وكل الدول العظمى والكبرى لجأت إلى استخدام الفحم الحجري، ولا يزال عصب الحياة خصوصا في ظل عدم إسهام الطاقة البديلة بحصة يمكن الاعتماد عليها في الاستغناء عن الوقود الأحفوري.
قبل أن تعلن السعودية اكتشافاتها الجديدة من الغاز، تعتبر سادس دولة في العالم تنتج الغاز بعد أمريكا، روسيا، الصين، قطر، كندا، فالسعودية ثم النرويج، وتمتلك دول أوبك احتياطيات من الغاز نحو 58 في المائة، ومع ذلك أعلنت السعودية اكتشافاتها الجديدة من الغاز، حيث ذكر وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان أن شركة أرامكو اكتشفت عددا غير محدد من حقول الغاز الطبيعي في مناطق البلاد، وذكر فقط خمسة منها بالاسم، وأوضح أن أرامكو وجدت احتياطيات مؤكدة في 5 حقول في أربعة مناطق تشمل المنطقة الوسطى في صحراء الربع الخالي وبالقرب من الحدود الشمالية، وكذلك في المنطقة الشرقية.
حيث تسعى السعودية إلى تعزيز استعداداتها للتحولات المستقبلية المتسارعة في قطاع الطاقة باكتشافات جديدة للغاز، وهي تراهن أن يضعها على خارطة هذه الصناعة والمنافسة على الحصص العالمية، ويأتي الإعلان عن الاكتشافات الجديدة بعد شهرين من تدشين مشروع الجافورة العملاق بمدينة الأحساء، وهو اكبر حقل غير مصاحب للنفط، باحتياطيات مؤكدة تقدر بنحو 200 تريليون قدم مكعبة، وتود زيادة حصتها من إنتاج الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة لديها، لتحل محل النفط الخام في توليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة وإمداد المشاريع الصناعية الجديدة، وإتاحة مزيد من النفط الخام للتصدير.
ووفق البيانات المنشورة على المنصة الإلكترونية لأرامكو، فإن الشركة تتوقع أن تبدأ الإنتاج بحقل الجافورة في 2024 لتصل إلى حوالي 2.2 مليار قدم مكعبة قياسية يوميا من المبيعات بحلول 2026، لكن الاكتشافات الجديدة من الغاز ستسرع من الإنتاج من أجل التصدير خصوصا مع التطورات التكنولوجية تتقدم بسرعة كبيرة، وقد تمكنت أرامكو خلال السنوات الماضية من خفض التكاليف، وتحسين كفاءة الاستخراج.
وتشير التقديرات إلى أن السعودية تمتلك نحو 600 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري، وهو ما يعادل ضعف احتياطيها من الغاز التقليدي، يمكن أن ترتفع تلك الأرقام بعد الاكتشافات الجديدة.
تتطلع السعودية إلى الوضع الحالي في السوق، وإن كان زاخرا بالتحديات، يعتبر فرصة ممتازة للنمو.