د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** في ملتقى النص الثامن عشر (1 - 3 مارس 2022م) بنادي جدة الثقافيِّ طرقت أوراقُ عملٍ بحثيةٌ تأريخَ الصحف والمجلات وأدوارَها الماضوية، وبُذلَ في استقصاءِ مناهجها وموضوعاتها جهدٌ جيد، وكان لمجلات: «المنهل والعرب والفيصل والمجلة العربية وقافلة الزيت» حضورٌ بينها، ولصحيفتي «الجزيرة والرياض» نصيبٌ كذلك، وارتكزت الأوراقُ على ما فات، واكتفى الحديثُ عن المستقبل بتوصيفِ الحال، والدعوةِ إلى مواكبة جديد التقنية، وكان ما استُعرض موثقًا، والاختلافُ حول مضامينه محدودًا، وعلَّق صاحبكم بنفي المقارنة بين الأمس واليوم؛ فهل «منهل عبدالقدوس الأنصاري» هي منهلُ اليوم؟ وهل «عرب حمد الجاسر» هي عربُ اليوم؟ وهل «فيصل علوي الصافي» هي فيصل اليوم؟ وهل «جزيرة خالد المالك» التي كانت تطبع مئة وخمسين ألف نسخة هي جزيرة اليوم؟ وقال: إن الحديث ليس عن الأشخاص بأعيانهم، بل بمراحلهم.
** اكتفى بهذه الأمثلة، وأردفَ أنها في حالة موتٍ سريريٍ ورقيًا، واحتضارٍ تقنيًا، وأن رصاصة الرحمة تجوز عليها، وكرر ما طالب به من أحد اختيارين: إما الإيقافُ النهائيّ أو تحويلها إلى شركاتٍ تجاريةٍ تعمل بمبدأ الربح والخسارة، وتخرج من عباءة وزارة الإعلام، ولا تحاكَمُ اليوم بأنظمة الأمس، والبقاءُ بعد ذلك للأقدر على كسب السوقِ الإعلاميَ والإعلانيِّ والتجاريّ، ومن لم يستطعْ فليخرجْ منه ولا يراكمْ خسائره أكثر، وأمام معظمها حساباتٌ تحتاج إلى تصفياتٍ تشمل حقوقَ المؤسسين والعاملين وما في مدارها، وصادف الحديثُ صدىً معقولا.
** حقائقُ ربما نفرُّ منها، وآن أن نفرَّ إليها؛ فالزمنُ سيعذرُ المتعثرَ لو اتخذ قراره سريعًا، لكنه سيُحاسبُ من يسوِّفُ في إبقاءِ هياكل غير قادرةٍ على مجاراة الوسائط الرقمية والمتغيرات التقنية، وهذا دور جمعياتها العموميةِ ومجالس إداراتها ومُلَّاكها ليُواجهوا الحقائقَ الجديدةَ والمتجددةَ بما يضمنُ غدًا أجملَ للصِّحافةِ، ولو تغيرَ شكلُها، وعناوينُها، ومحتواها، ووسائلُها، ومحرروها، وقراؤها، وربما كلُّ شيءٍ فيها وعنها.
** كبَّر صاحبكم - في تعقيبه - أربعًا على الصِّحافةِ الورقيةِ فلن تعودَ إليها الروحُ، ولا حصافةَ في انتظار المعجزاتِ المقتصرة على انتظار الإعانات، ولا ضيرَ؛ فستبقى الصحف مراجعَ لفتراتٍ خصبةٍ ومجدبةٍ، وقد توقفت صحفٌ ومجلاتٌ أشبهَ بعضُها المدارسَ الثقافية كما في «رسالة الزيات، وثقافة أحمد أمين، وسياسة محمد حسين «وليس حسنين» هيكل، وقريش السباعي، وقصيم الصانع، وإشعاع البواردي، وغيرها كثير.
** المتغيراتُ الإعلاميةُ ضخمةٌ يستحيلُ تجاهلُها، وحين تغيب وسيلةٌ تحضر وسائلُ، وعندما يخفق نشاط تتبدّى أنشطة، ومن واقع معايشةٍ فإن مؤسسةً صحفيةً كالجزيرة قادرةٌ على خلقِ ميادينَ إبداعيةٍ تعيد الصحافة إلى الواجهة بوسائطَ مختلفةٍ، ولن تُخفقَ في مواجهةِ التحديات إذا أَطلقتْ مبادراتٍ، وطلَّقت ذكرياتٍ، وأعلنتْ أنَّ نظرياتِ الإعلامِ القديم لم تعدْ قائمةً لتُدْرَسَ، بل لتندرسَ، ولتحِلَّ مكانها تطبيقاتٌ وتجاربُ متبدلةٌ تؤمنُ بالتجديدِ الصادمِ لا التقاليد الصامدة، وإذ لا نودُّ أن نتفرجَ على الوفاة فاليقينُ أنَّ القراراتِ النوعيةَ ستنفرجُ بالحياة.
** الوقوفُ نهاية.