زكية إبراهيم الحجي
التحدي الذي يواجه أي ثقافة، يكمن في محافظتها على تماسكها الخاص وتوازنها الذاتي أثناء متطلبات الثبات والتغيير في المعترك الحضاري، وهذا في الحقيقة مشروط بوعي وقوة إرادة أصحاب الفكر والثقافة لكل المبادئ والأصول التي تُشكل البنى العميقة للثقافة، فالوعي والإرادة الصادقة بمثابة قوة خفية تدفع إلى الأمام، وتتنامى مع الوقت لتمنع التراجع أو التوقف.. ولكن السؤال الذي قد يُطرح ما علاقة الثقافة بقوة الإرادة؟
بالعودة إلى التاريخ نلحظ أن مفهوم «الإعاقة» ارتبط بالثقافة السائدة في مجتمعات الزمن القديم، حيث كان التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة «كما يُطلق عليهم اليوم» بأساليب وأنماط ترتكز إلى فلسفتهم في الحياة ونظرتهم إلى الوجود ومفهوم البقاء، وذلك يحتاج إلى قوة إرادة.. وفي دراسة أكاديمية أشار المؤلف الأمريكي «ستيف براون» بأن وجود ثقافة الإعاقة هي فكرة جديدة في المجتمعات وتهدف إلى استثمار معناها في التمكين والوعي الإنساني.. وليس من باب التفاخر عندما يُشار إلى تميز الدين الإسلامي، وكذلك الحضارة الإسلامية في التعامل الإنساني الراقي مع الإعاقة ومع ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الهمم.. فالإعاقة الحقيقية هي أن يرى الإنسان نفسه في موقع العجز عن التفكير والتطور.
مشكلة الإعاقة من المشكلات التي يواجهها أي مجتمع من المجتمعات.. فلا يكاد يخلو أي مجتمع من وجود أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة أياً كان نوع الإعاقة التي يعانون منها.. وتعتبر العلاقة بين الثقافة والإعاقة بمثابة علاقة عملية، حيث التناسب الطردي بينهما، فبقدر ما تكون ثقافة المجتمع راقية وإنسانية وقائمة على قيم ومبادئ الأخلاق الكريمة كالتسامح والرحمة واللطف.. قبول الآخر وقبول الاختلاف والمشاركة وعدم رفض الآخر إلى غير ذلك من الخصال الحميدة بقدر ما يكون ذلك انعكاساً ايجابياً على قضايا الإعاقة وعلى حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها الاندماج في المجتمع دون أي شكل من أشكال التمييز، وبالتالي يُسهم كلٌّ حسب قدراته في مختلف المجالات. بقوة الإرادة والطموح وعقد العزم على عدم الاستسلام يُكسر حاجز الإعاقة.. فهناك نماذج كثيرة ممن لم تثنهم الإعاقة في يوم من الأيام في سبيل تحقيق ذواتهم، فكانت لهم إبداعات متميزة في الرياضة وفن الابتكار.. في الكتابة والرسم والموسيقى وغير ذلك، وباتت أسماؤهم تتردد على كل لسان.. فأمام الطموح والإصرار تزول العقبات.. وكما اهتم الدين الإسلامي بأصحاب الابتلاء وأمر بالعناية بهم ورعايتهم، كذلك اهتم أصحاب الأدب بذوي الاحتياجات الخاصة وأبدعوا في وصف حالهم ودعوة الناس لمساندتهم ومن أجمل ما قيل في ذلك:
«لا.. لا.. لا تقل إني معاق مدَّ لي كف الأخوة... ستراني في السباق أعبر الشوط بقوة».