ميسون أبو بكر
ما أصعب أن تقدم العزاء في شخص كالراحل العزيز الأستاذ عبدالعزيز المنقور، تسأل الله أن يعظم أجر أولاده وأحباءه وأنت موجوع حتى العظم، حزين حد الوجع، مأسور لفقده، غير مندهش لأعداد أولئك الذين عرفوه وأحبوه سواء من تلامذته في أمريكا كونه الملحق الثقافي السعودي الأول فيها أو من زملاء العمل أو رفقاء مجلسه وخميسيته المشهورة.
الرجل الذي من الصعب أن يتكرر، والذي أود الإشارة هنا لجوانب في شخصيته غير تلك التي تحدث عنها غيري في مناسبات كثيرة ومقالات تليق بحضور الغائب الحاضر.
كان يحب السفر والتجوال ولقاء الناس وتبادل الأحاديث وكان يحرص على التواصل مع الكتّاب وقراءة أفكارهم المنشورة ومناقشتها، وهو رحمه الله من الذين تعلمت منهم معرفة الأنساب وتفاصيل المناطق وسمات أهلها.
كان رفيقا جميلا في السفر خفيف الظل أنيسا ونيسا صاحب دعابة، وكان ملتزما ببرنامج صحي غذائي لا يتجاوزه، أنيق في طعامه وشرابه وملبسه ومجلسه يحبه من يلتقيه ويتسابق أصحابه على رفقته.
كان رئيسا للبنك الزراعي في أواخر السبعينات وبقي به حتى تقاعد ثم تولى رئاسة مجلس إدارة البنك السعودي الهولندي لسنوات قليلة قبل أن يعتكف للراحة والسفر.
يشهد له زملاؤه وأصدقاؤه بمواقف تحسب له وبنزاهته في العمل والحياة وصدقه وحرصه على المصلحة العامة، وكان يرفض رفضا قاطعا أن يطلب وساطة لنفسه أو أهله أو لأي أحد كان.
وسأذكر قصة رواها أحد أصدقائه المقربين منه الذي كان رفيقه في زيارة لسمو أمير الشرقية الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز الذي ابتعث إلى أمريكا وقت عمل المنقور كملحق ثقافي سعودي هناك، وبعد انتهاء الزيارة واللقاء الحميم بين الأمير البار وأستاذه أكمل المنقور وصديقه إلى جسر البحرين في مهمة عمل فسأله ذلك الصديق لماذا لم تطلب من سمو الأمير تسهيل مرور الجسر لتجنب الازدحام عن طريق الحصول على (كرت vip) فقال إنني لم أتعود أن أطلب شيئا لنفسي وهي سنة مضيت في الحياة إليها ولن أغيرها.
كان الشيخ الجليل عبدالعزيز المنقور سعوديا حتى العظم، سفيرا لبلاده في كل التفاصيل، وفي تصرفاته وحديثه لذلك شيعه محبوه الى مثواه الأخير بأعداد كبيرة شاركهم أحبته في أماكن كثيرة من العالم، وعزاؤنا أن ذكراه ستبقى ناقوسا يقرع وظلالا تورق في أرواحنا كلما مر ذكره الطيب، وكلما مررت بباب منزله في حي الورود سألوح له بكف القلب وسأعتذر له مرارًا عن موعد لقاء كنا اتفقنا عليه حين تواصلنا وكنت خارج الديار فسبقني الغياب إليه.
«الّي خلّف ما مات» كما كانت تقول جدتي رحمها الله والبركة في سارة ومحمد وعبدالله وخالد ألهمهم ووالدتهم الصبر والسلوان.