د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** أقنعه صديقُه رجلُ الأعمال أن عشرةً في المئةِ – بأوسعِ تقدير- ممن يدخلون ميادينَ التجارة ينجحون، أما التسعون في المئة الآخَرون فتتحولُ خسائرُهم إلى أرباحٍ لأولئك حين يُغادرون السوقَ، ربما من غيرِ أن يُغطّوا خسائرَهم.
** وعى هذه التجربةَ مبكرًا بعدما تكررَ فشلُه في الرياضةِ، وتحديداً كرةَ القدم فلم يُجدْ حتى قذفَها بإتقان، وفي الأشبال إذ عجز عن التزام أناقة ملابسها، وبخاصةٍ منديلُها، وفي الرسم حين لم يُجدْ رسمَ نخلة، وجلس في ناصيةِ أحد شوارع حارته العتيقةِ لبيع «الحلويات» فلم يستعدْ رأسَ ماله، وأرهق والدتَه – حفظها الله – بإعداد أطباق « البليلا» في قِدرٍ صغيرٍ وتوابعه فلم يبعْ، واكتفى من الغنيمةِ بالإيابِ سالمًا من إصابات الكُرةِ والتزاماتِ الكشافةِ وأعباء المَعارض وخسائر ذوي المشاريع.
** « كلٌ ميسرٌ لما خُلقَ له»؛ فلا جدالَ، كما لا فضلَ ولا تفاضل، وربما تخطتْ متعةُ كتابٍ في يدِ ميسور الحال ملايينَ يُحصيها ذو جاهٍ ومال، ومن يكتشفُ نفسَه مبكرًا فيعي اتجاهَه سيقضي عمرَه هانئًا هادئًا، وحين قررَ صاحبكم التقاعدَ من العمل الرسميِّ أشار عليه بعضُهم بفتح مكتبٍ لتحريرِ السِّير الذاتيةِ ففعل وفشل، وما يزالُ غارقًا في إجراءات قفلها، ولم يستفدْ سوى دفعِ رسومٍ، وإلغاءِ وسومٍ، وسدَّد من جيبه ما كان مفترضًا أن يجنيَه من ربحه، وإذْ لم يُحققْ دخلًا أصلًا فقد انصرف جهدُه إلى « تسريحٍ» ولو دون إحسان.
** يذكر أن السباق المحمومَ على الأسهم قبيل نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين أغراهُ بالمشاركة كي لا يظلَّ من محدودي الدخل، وكانت أصواتُ الأرباحِ الفلكية تغزو خيالَه، وتؤرقُ أحوالَه، وقررَ الدخول في السباقِ في الوقت بعد الضائع، ووضعَ شيئًا مما ادّخره فصار هباءً منثورًا، واستعادَ بيتَ المتنبي:
أتى الزمانَ بنوهُ في شبيبته
فسرّهم.. وأتيناهُ على هرمِ
** لا ينسى ناشرًا وقّع معه عقدًا لطباعة بعض كتبه، ودفع له مبلغًا كبيرًا مستردًا بعد عام، فما عاد المبلغُ وفق الوعدِ، ولم تصله نسبةٌ من المبيعات، ووثق ببعضِ من لجأ إليه طالبًا سُلفًا فاختفوا، وخشيَ أنْ تضيعَ صنائعُ المعروف، وينكفئَ الناسُ عن المروءةِ أكثر من حسرته على أنْ فقدَ ماله.
** الحكاياتُ كثيرةٌ وفيها دروسٌ من الحياةِ أدرك شطرها مبكرًا فتلافى تبعاتها، وما يزالُ يقعُ في أخطاءٍ لم يع أبعادَها، وثمةَ كُثُرٌ يظنّون أنهم قادرون على أن يكونوا في كل المواقع، ويعزفوا أجمل الإيقاعات، وهيهات.
** في عمر التاسعةِ طلب من والده رحمه الله شراءَ حذاءٍ جديدٍ له بديلًا للقديمِ المستهلك، وبرر طلبه بمعايرة زملائه؛ فردَّ عليه: « قل لهم: « اللي ما لُه جَرد ما لُه جديد»، أي أن من لا يعتزُّ بالأقدم لن يظفرَ بالأحدث، وكذا قد ينسى الواحدُ أنه ترابٌ يؤولُ إلى تراب؛ فلمَ الجزعُ والطّمع؟ وبالمثل فإنَّ من لم يُخفق لن ينجح، وكذا « الضدُّ يُظهر حسنَ الضدّ».
** النفوسُ جُزرٌ عذراء.