عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
قبل أن أوجه رسالتي إليك.. لابد أن تعرف أن كل الكلمات لا تفي بحق الأم.. ويكفي أن الجنة تحت أقدام الأمهات، لذا فليس عيباً أن تكون مع أمك كل الأوقات، ولكن اسمح لي وهنا أبدأ حديثي معك، كنت مختلفاً، أتفق أننا كنا أطفالاً، نلعب في الشارع، حينما كان الشارع حياة، وقبل أن يتقوقع الناس داخل بيوتهم، كنتُ مع مجموعة صبية صغار بعمري تقريباً، نلعب وقتها كنتَ تجلس بجانب أمك في مجلس النساء، ملتصقاً بها، لا تريد أن تغادرها، لا نعرف مطلقاً لماذا، على الرغم من محاولاتنا اليائسة في طلبك لتلعب معنا، وكذلك رغبة أمي بل رغبة كل النساء بأن تذهب لتلعب معنا، ولكن أمك تؤثر الصمت، وتدعك تجلس بجانبها، حدث ذلك في أكثر من مناسبة جمعت نساء حينا الصغير، أنت لا تغادر بيتك إلا نادراً ربما مع أحد إخوتك، أو برفقة والديك. سألت والدتي ذات يوم عنك وهل أنت مريض، قالت إنه يخاف أن يبتعد عن أمه، لم أفهم ماذا تقصد، لدرجة أن أحد صبية الحي أطلق عليه لقب «دلوعة أمه» كل طفل صغير أو كبير يكون قريباً من والدته، ويكون مفضلاً لديها إلا ما ندر، ولكن أنت لماذا تجلس مع أمك في مكان لا يوجد به إلا نساء، أنت بجلوسك تحد من حرية حديثهن، أنت لا تعي ذلك، ولكن حتى لو لم تكن ولداً بل بنتاً، أيضاً حديث الكبار دائماً مختلف، الغريب أن أسرتك لم تطل البقاء في حينا، انتقلت بعد قرابة السنة لحي آخر بعيد، ولم نرك بعد ذلك، لا أدري هل بقيت العلاقة بين النساء أم انقطعت، أم أصبحت أمك غير مرحب بها بسببك. تذكرتك فجأة عندما رأيت أبنائي يسخرون من أخيهم الصغير ويقولون عنه «دلوعة أمه»، ويا لسعادة من يكون كذلك، من لديه أم على قيد الحياة فهو يعيش رغد الحياة، لأن كل الخير بوجود الأم، رحم الله والدتي، التي أردت بعد سنوات أن أسألها عن تلك المرأة وولدها، كنت حينها قد ولجت مرحلة الأبوة، أذكر أنها أبقت ابني بجانبها في مجلس يضم مجموعة من النساء، ولكنه لم يبق طويلاً بجانبها، توجه إلى مجموعة من الصبية ليلعب معهم.
لن أظلمك، ربما هنالك سبب يجعلك تجلس بجانب والدتك، ولا تلعب معنا، أمر صحي، نفسي، لا أدري هل أنت على قيد الحياة الآن، لو كان ذلك، أتمنى أن أراك، حتماً أصبحت الآن جداً، إذا كنت إنسانًا سوياً، تزوجت ورزقت بأبناء ثم أحفاد، ربما، أريد أن أعرف السبب، ليست مرة واحدة جلست بجانب والدتك، ولم تلبي دعوتنا لك لنلعب في الشارع، على الرغم في ذلك الوقت لم يكن اللعب في الشارع خطراً لندرة السيارات التي تعبره، أكثر من مرة نقضي وقتنا أنا وصبية الحي نلعب بالتراب، تتسخ ملابسنا، تجرح أقدامنا الحافية بقطع زجاج أو صخور حادة أو مسامير من مخلفات عمارة تبني في طرف الشارع، كنا نمارس الحياة، ونراك تمارس الموت، حتى الفتيات اللاتي بعمرنا كنَّ يلعبن بالشارع، وأنت جالس بجانب أمك، عند النساء، يا لهذا السؤال المحير، لماذا، هل لديك جواب، هل في علم النفس حالات مشابهة، ربما، لم أسأل أحداً ولم أبحث، بل تركت ذلك كمشهد غريب بقي في ذاكرتي حتى الآن، لا أتذكر اسمك، ولا اسم عائلتك، لأنها لم تطل بالبقاء في حينا، ولكن أنت وأسرتك من العابرين في حينا، لم تتركوا أثرًا سوى بقائك مع النساء، ونحن نلعب في الشارع، وأنت لست رضيعاً بل بعمرنا، في الصفوف الأولى الابتدائية، بالمناسبة، هل تذهب إلى المدرسة، فعلاً رأيتك ولكن، لم تكن في فصلي، بل في فصل آخر، وكنت أغلب وقتك برفقة أخيك، هو أكبر منك وأيضاً أكبر مني، أنت لست مختلفاً، تشبهنا كثيراً، وأقصد بذلك لم تكن جميلاً لتلفت نظر الآخرين، أيضاً لم تبق في المدرسة سوى عام دراسي واحد وابتعدت أنت وأخوتك، لقد أشغلتني سنين طويلة، لماذا تبقى مع أمك في مجلس النساء ولا تأتي لتلعب معنا، أعرف أن هذه الرسالة لن تصل إليك، ولكن ليس بعيداً أن يكون هنالك من يشبهك، فهل ثمة سبب وجيه يقنع صبياً يرغب أن يلعب معه صبي آخر، وهذا الآخر يفضل البقاء بجوار والدته التي تجلس مع مجموعة من النساء، الأمر ليس مهماً، ولكنه مشهد انتزعته من ذاكرتي ووضعته في هذا المقال.