سهم بن ضاوي الدعجاني
** الكاتب الكبير عبدالعزيز المحمد الذكير له مسيرة وسيرة طويلة مع الحرف تحمل رؤية و»رأي» في كثير من القضايا في الشأن الاجتماعي والموروث الشعبي، وهو شخصية وطنية مارست الكتابة اليومية في جريدة الرياض لمدة (25) سنة تحت عنوان «نافذة رأي»، وما زال الأستاذ الذكير يكتب في جريدة اليوم كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع، ومن أحدث مقالاته:
(التجارة والحظ، الإخوة من الرضاعة، الرز.. وديمومة اللغز، المصغرّ اعتمدناه المكبّر، بيدك لا بيد غريب، سدرة الغرمول، ثلاث بقين من شهر رجب سنة الجراد، مفردات مطرية، مجتمع الشتاء، صفقات الجفرة).
وهنا يتضح للراصد لمقالات الذكير أنه يستلهم الموروث الشعبي، ويتعامل باحترافية مع المفردات الشعبية لإيصال فكرته من خلال مقالته اليومية قديمًا في جريدة الرياض والآن من خلال مقالته الأسبوعية بجريدة اليوم بل ويدعم مقالاته بالجميل والفريد من موروثنا الشعبي، والكاتب سبق أن جمع مقالاته المنشورة في جريدة الرياض في كتاب حمل اسم زاويته الشهيرة نفسه «نافذة رأي» في اثنتين وخمسين وست مئة (652) صفحة من القطع الكبير صدرت الطبعة الأولى 2011م (قبل 11 سنة) عن دار طويق للنشر والتوزيع، وقد كتب المقدمة معالي الأستاذ/ جميل بن إبراهيم الحجيلان وزير الإعلام السابق والذي قال في مقدمته للكتاب (كنت من أوائل المتمنين على الصديق الأستاذ عبدالعزيز الذكير أن يجمع هذا النثر الأدبي الجميل في كتاب يجمع شمله ويتيح للقارئ سهولة الولوج إليه متى أراد؟، ولقد ظلت إطلالتي اليومية عبر نافذة (الذكير) واحدة من اختياراتي المفضلة، وأنا أطالع «جريدة الرياض» كل صباح، ويحدث أن يعيق الحرص عائق من ضيق الوقت، فتأتي قراءتي لها عجلة عابرة اكتفاء بمعرفة موضوعها، على أن أعود إليها في المساء، وفي المساء تحملنا اهتمامات أخرى لعوالم أخرى غير عالم النهار فيضيع عليَّ ما حرصت على مطالعته في الصباح، وتنغلق النافذة لنطل في اليوم التالي من خلالها على مشهد آخر جديد من مشاهد الفكر في السياسة أو الأدب أو الاجتماع.
والذكير يعدّ من القلائل الذين يبدعون في الحديث عن البيئة النجدية وما يتصل بها على نحو خاص من موروث اجتماعي وثقافي طغت عليه مستجدات الحياة ساعدته في ذلك نشأته المبكرة في مدية عنيزة ورصد تفاصيل ذلك الموروث واختزنه في ذاكرة نشطة، ليحدثنا عنه وعن مفرداته اللغوية، حديث العارف بما يقول).
الذكير والترجمة
الذكير مارس «الترجمة» ميولاً واهتماماً خاصاً ثم وظيفيًا في مراحل عدة من حياته العملية، فقد تولَى النشرة الشهرية (بالإنجليزية) للبنك الأمريكي (الرياض)، بل وأشرف على المحليات في صحيفة «رياض ديلي» الصادرة بالإنجليزية عن مؤسسة اليمامة الصحفية، مع كتابة عمود (3) مرات في الأسبوع باسم (LOCAL TOUCH) عن العادات والتقاليد والأدب في اليمامة، بل عمل مديراً للترجمة في الأمانة العامة لمجلس التعاون متفرغاً لمدة (14) سنة. هذا المحور في حياة الضيف مجال للنقاش والحوار لنعرف رؤيته الخاصة تجاه «الترجمة» ودورها في بناء العقل العربي ودورها كذلك في «التواصل الحضاري» مع مختلف الشعوب، وكيف يرى مشهد الترجمة في بلادنا وكيف يقيم حضور (المترجم) السعودي في المشهد العربي والعالمي والدور المنتظر للمترجم السعودي خاصة ونحن نعيش حراكًا اجتماعيًا مختلفًا في عهد عرّاب رؤية المملكة 2030 الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله.
أستاذ المقالات القصيرة
هكذا وصفه الدكتور إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية بهذه الصحيفة وقال عنه بالنص: استشهد الأستاذ عبدالعزيز الذكير في مقالة قديمة له ببيت للشاعر العامي النابه علي أبو ماجد يحث صحبه على تخفيف العشاء كما يفعل أهل الشام..
مروا (مرات) وطرقوها مسيمين
عشاكم الليلة مثل شغل الأشوام
والظن أن زاويته تشبه المطبخ الشامي؛ فهي لذيذة وخفيفة ولا تكلف قارئها عناءً ولا كاتبها أعباء وفي الوقت نفسه تغني وتشبع.
بريق الدولار وخلود الحرف
الذكير عمل في البنك الأمريكي وتولى النشرة الشهرية له، ومع ذلك لم نسمع أنه قدّم نفسه للمجتمع بأنه «اقتصادي» رغم تهافت الناس على الاقتصاد والتحليل الاقتصادي في السنوات الأخيرة من خلال الفضائيات العربية، بل استمر على نهجه الثقافي ومساره الفكري لتبقى صورته في (ذاكرة الوطن) الكاتب والمثقف وصاحب الرأي، ليسهم في ذاكرتنا الوطنية كمثقف وليس كاقتصادي فقط مع كامل التقدير للاقتصاديين، لكن هذا يؤكد أن ضيفنا عاش وأخلص للثقافة والفكر ولم يغّيره بريق «الدولار» أو «الريال» على أن يبقى في ذاكرتنا جميعاً كاتباً وطنياً وعلماً من أعلام مسيرتنا الثقافية لعلَه يمارس مع نفسه ومع أسرته أن الطريق للبقاء في ذاكرة الوطن والإنسانية هو «الفكر» و»الثقافة»، إنه الخلود يا صاحبي عبر «الحرف» ليبقى الذكير بعد هذه الرحلة الطويلة في خدمة الثقافة «سطراً» في كتاب مدرستي يقرأه ابني وابنك وابنتي وابنتك يومًا ما.
الحضور .. الحضور
كتب وما زال يكتب، نشر وما زال ينشر، وغرَّد وما زال يغرّد في منصة تويتر، إنه «الحضور» للأستاذ عبدالعزيز الذكير بشكل احترافي وعقلاني، لكنه ليس الحضور لمجرد الحضور، بل هو «الهمّ اليومي» لديه، والذي تحول بقراءاته ومتابعاته في مختلف المجالات إلى حضور منهجي رائع من خلال جريدة الرياض والآن جريدة اليوم، بل إنه يمارس الحضور الجميل من خلال حسابه في «تويتر» في المجال الذي عرفه وألفه وأبدع فيه «الترجمة»، لقد وصل من خلال حسابه إلى الجيل المعاصر والمتعطش إلى معرفة وتعلم اللغة الإنجليزية.
حضور كاتبنا الرائع من خلال كتابة المقالة في الصحف اليومية ثم الكتابة والنشر في منصة «تويتر» يُذكرني بأستاذي الفقيد علامة الجزيرة الشيخ «حمد الجاسر» -رحمه الله - والذي عاصرته وكنت قريباً منه في سنواته الأخيره، ولازمته من خلال خميسيته الأسبوعية والتي كانت تسمى (ضحوية الجاسر) ثم تحولت إلى (خميسية الجاسر) والآن تعقد «ضحى السبت». كان علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في أواخر عمره يلتزم الكتابة بشكل أسبوعي في جريدة الرياض، وفي إحدى جلسات (الخميسية) سألني أحد الحضور لماذا الشيخ «حمد الجاسر» يحرص على (تكريس) الحضور رغم تقدمه في السن وضعف صحته؟
قلت: إنه ليس الحضور من أجل الحضور، إن هذا الحضور هو ترجمة لرسالة العالم في العطاء المستمر الذي لا يعترف بالعمر، وهذا ما يمارسه الكاتب الكبير الذكير، إنه الحضور الفاعل والشغف بالعطاء الفكري من أجل الوطن.
الذكير ساخراً ..
كتب في جريدة الرياض قبل ست سنوات تحت عنوان «الشاشات أخفت عصر الوشوشة» في 18-12-1437هـ، 20 سبتمبر 2016م يقول: وتحكي الأحاديث الساخرة أن أحد رؤساء الوزراء في فرنسا وظّف حلاقاً ليقوم بحلاقة وتصفيف شعره، كعادة الأكابر من الرؤساء الحكام. كان ذاك الحلاق إلى جانب مهنته، بارعاً في التحاليل السياسية والاستنتاجات الإستراتيجية، ويتبرع بإعطاء رئيس الوزراء إيجازاً عن كل ما يجري في بحور السياسة، وبدا أن الرئيس يرتاح إليه أكثر من فلسفة وزير خارجيته. وذات يوم طلب الحلاق إجازة شهراً، فقال رئيس الوزراء لجهاز مكتبه. «لا بأس أعطوه إجازة شهراً. وآتوني بوزير الخارجية ليحلق لي كل يوم».
والمتتبع لمقالات الكاتب يجد الكثير والكثير من شواهد مماثلة التي تفوح سخرية رائعة تجعل من الكاتب صاحب ظل خفيف على قرائه والمتابعين لزاويته.
الذكير ما زال يغرّد ..
الكاتب يعرف نفسه في منصة «تويتر» بأنه كاتب صحفي ومترجم وعضو في الجمعية السعودية لكتَّاب الرأي، وإن حضوره في هذه المنصة الحديثة والمعاصرة لمن يملك هذا التاريخ الطويل من الكتابة الصحفية، لهو دليل واضح على رغبته الأكيدة في «الحضور» الممنهج والعقلاني والمسؤول أمام الأجيال. وبالمتابعة اليسيرة لهذا الحساب، نجد أن الكاتب يحرص أن يُنير الطريق أمام الجيل المعاصر فيما يخص تعلم اللغة الإنجليزية من خلال تغريدات هادفة وواضحة من خلال إخراج يُسهل على المتابعين الاستفادة من تجربته الطويلة في تعلم اللغة الإنجليزية وممارسة الترجمة في مختلف محطات عمله المختلفة، كما أنه في حسابه عبر منصة «تويتر» يلامس عددًا من القضايا التي تمس لهجتنا الدارجة بأسلوب مشوق، فقد قرأت له ذات مرة تغريدة ما، وعندها تذكرت كلمة كانت سيدتي الوالدة وضحى بنت هزاع الدعجاني -رحمها الله- ترددها كثيرًا في بيئتنا النجدية وهي كلمة «أشوى»، حيث يقول الذكير في تلك التغريدة عن هذه الكلمة:
وهي في كلامنا الدارج بمعنى أسهل وأيسر، والاستخدام فصيح على صيغة أفعل من الشوى الذي يعني: الهيَن اليسير (مقاييس اللغة لابن فارس)، أن الكاتب الذكير بهذه التغريدة يمارس التواصل والاتصال الحضاري بين الأجيال، لتبقى اللغة الفصحى في ذاكرة الناشئة هي الأجمل والأغنى، وحسابه في تويتر مليء جدًا بمثل هذه الكلمات، كما أنه حساب «متجدد» و»حيوي» يناسب شرائح المجتمع، ويربط الأجيال المعاصرة بإرث الآباء والأجداد بأسلوب سهل ومختصر يتناغم مع روح العصر وطبيعة الشباب.
* ألقيت في أمسية مسيرة كاتب بالجمعية السعودية لكتاب الرأي بمقرها الرئيس بمدينة الرياض 1 مارس 2022م