خالد بن حمد المالك
كل مَن حاول وسعى لإفشال رؤية المملكة 2030 ولم ينجح، عليه أن يكرر المحاولة مرة بعد أخرى، وفي المقابل عليه أن يرى بأُم عينيه أن ما يجري في المملكة على الأرض يأتي متناغماً مع ما نصَّت عليه الرؤية، ليتأكد له أن مآل محاولاته محكوم عليها بالفشل، وأن عليه أن يقرأ ما قاله عرَّاب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من أن أقصى ما يمكن أن يحققه أعداء الرؤية حصولهم على ما نسبته 5 في المائة من فرصة لإبطائها فقط، وهي فرصة متدنية، وليست ذات قيمة أو أهمية.
* *
أما إذا أراد أعداء الرؤية المزيد من المعلومات على أنهم بلا فرصة لإعاقة هذا المشروع الجبار، وأنهم لن يستطيعوا المساس به، وأنه لا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لتعطيله أو إفشاله، فعليه أن يعود إلى حديث محمد بن سلمان لمجلة أتلانتيك، ففيه الكثير من التفاصيل.
* *
هناك مجموعات قليلة -يقول الأمير- يستطيع أي شخص يمتلك معرفة جيدة أن يحدد الصلة بين تلك المجموعات في الغرب، والمجموعات في الشرق الأوسط الذين لديهم مصالح في أن تفشل الرؤية، لكن ولي العهد نأى بنفسه أن يوجه الاتهام لأي أحد، وهكذا هم الكبار، لا يثنيهم عن تحقيق أهدافهم مؤامرة من هذا أو ذاك.
* *
حتى حين كان السؤال عن مقتل جمال خاشقجي كان جواب الأمير مفحماً للصحفي الذي أراد أن يمرر هذا السؤال ضمن أسئلة أخرى لإحياء موضوع كان قد مات، وتم دفنه، ولم يعد أحد يسأل أو يتحدث عنه، فكان جواب ولي العهد أنه لم يقرأ مقالاً كاملاً لخاشقجي في حياته، وكأن سموه يريد أن يقول للصحفي إنه لا يعرف إن كان خاشقجي يجادل بحجج الإخوان المسلمين كما كان جوابه عن السؤال.
* *
ولم يقدم الأمير محمد بن سلمان تبريرًا لخطأ قتل جمال خاشقجي، بل إنه سارع إلى القول عندما سُئل عن ذلك بأنه خطأ كبير، ووصفه بالكبير انطلاقًا من أن المملكة وقيادتها لا تؤمن بهذا النوع من العمليات، كما لا تؤمن - بحسب وصف سموه - بأي عملية خارج إطار القانون، وفي المقابل فإذا كان هناك أي شخص ارتكب جريمة، أو كان يشكل خطورة على المملكة أو على العالم، فسيكون الفصل في هذا بناء على القانون السعودي والقوانين الدولية، وهذا ما تفعله المملكة، أي إن مقتل خاشقجي كان خطأ كبيرًا لأنه تم خارج ما تؤمن به المملكة بالتزامها بالقوانين، وسعيها لعدم تكراره مرة أخرى.
* *
وحول مقتل خاشقجي أيضًا يضيف الأمير بمرارة وألم بأن رؤية أي شخص يُقتل دون وجه حق هو شيء مؤلم، فحتى لو كان الشخص - أي شخص - يستحق عقوبة الإعدام يجب أن يخضع للنظام القضائي، ويجب أن يكون له الحق في الدفاع عن نفسه، وما حدث لخاشقجي يعد أمرًا مؤلمًا، ونتمنى ألا يحدث لمواطن سعودي، أو لأي مواطن في العالم، ولأن ما حدث يمثل فشلاً ذريعًا في النظام فقد بذلنا جهدنا لإصلاح النظام، والتأكد من عدم حدوث مثل ذلك مرة أخرى، وقد تمت إحالة المتسببين إلى التحقيق ومن ثم إلى المحاكمة، وهم الآن يواجهون العقوبات التي أقرتها المحكمة. والأمير محمد يتحدث بكل هذه التفاصيل من واقع موقعه في مسؤولية إدارة شؤون البلاد بوصفه وليًا للعهد، ومن خلفيته القانونية، كونه متخصصًا في القانون، ومن الحالة الإنسانية التي يتمتع بها، دون أن تأخذه العاطفة في التساهل بما يخل بموقع المملكة كقوة عظمى، وبالمواطنين وحمايتهم من أي أضرار.
* *
لقد قُتل سبعون صحفياً حول العالم في السنة التي قُتل فيها خاشقجي، وكان سؤال الأمير لمجرِي الحوار: هل يمكنك أن تسميهم لي، لا؟ إذاً شكراً جزيلاً، وهل فعلاً هذا إحساس بزميل صحفي؟ أم أنه مصمم ضدنا، وضدي أنا، إذا كان فعلاً إحساساً بزميل صحفي، إذاً أعطني أسماء الصحفيين السبعين الذين قُتلوا في السنة نفسها التي قُتل فيها خاشقجي، ولكن مُحاوره لم يجب، والتزم الصمت، لأن التعاطف الإعلامي الكاذب مع خاشقجي كان مدفوعاً بأهداف عدوانية ضد المملكة، وضد شخص ولي عهدها محمد بن سلمان.
* *
والمملكة ليست حالة استثنائية في وقوعها بخطأ مقتل خاشقجي، فأين ذلك في حجمه مقارنة بأخطاء ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية في حق مواطنين في العراق وأفغانستان وغوانتنامو التي يشيب لها الرأس، ومع ذلك فقد اتخذت أمريكا الخطوات المناسبة لمعالجة ما حدث، وهو ما فعلته المملكة، ولكن بشكل أفضل، وعدل لا يقارن بما تم من إجراءات تصحيحية في الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
ولم تخلُ أسئلة الصحفي للأمير محمد بن سلمان من محاولة لاستدراج سموه ليقول ما يلبي رغبة الصحفي بإثارته لموضوعات كان الرد عليها واضحاً وموضوعياً ومثيراً للإعجاب لكل من اطلع عليها من المواطنين وغير المواطنين، بدليل ردود الفعل الإيجابية الواسعة في الداخل والخارج، وانتشار الحديث على نطاق واسع في وسائل الإعلام الأجنبية والعربية.
* *
وبصرف النظر عن توجه المجلة وتعاطيها مع المملكة، فإن ولي العهد اعتاد في لقاءاته الصحفية ألا يتجنب في أحاديثه أياً من الوسائل الإعلامية ذات المواقف السلبية من المملكة، بل إنه -أحياناً- يتعمد أن تكون بعض لقاءاته مع من لها مواقف غير ودية من المملكة، وكل هذا نابع من ثقته بما يقول، وأن التطور والإصلاحات التي تمر بها المملكة لا تترك مساحة لأي إعلامي لأن يشكك في إنجازاتها، حتى وإن حاول نسف الحقيقة، والتجني عليها.
* *
في حديث الأمير هناك الكثير من العناونين المثيرة للانتباه بإعجاب وتقدير، خذوا ما قاله حين سُئل إن كان يهمه أن يعرف الرئيس الأمريكي جون بايدن شيئاً قد لا يعرفه عن سموه، كان جوابه قاطعاً: إن هذا -ببساطة- لا يهمني، فهذا أمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أمريكا، فليفعل ذلك إذاً.
* *
وهكذا فإن استقبال المتابعين لحديث الأمير الأخير مع هذه المجلة كان بمثابة استقبال من بُهروا بالحقائق والآراء والمعلومات التي تحدث بها سموه، ومن المؤكد أن إعلاميين كثراً قد تمنَّوا لو أنهم حصلوا على مثل هذا الحديث لوسائلهم الإعلامية، فهو حديث نوعي لا يقدم عليه، ولا يجرؤ على قوله إلا من هو في فهم ووعي واستيعاب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، لهذا نقول تعلَّموا من ولي العهد.
* *
الأمير محمد ضد مصطلح (الإسلام المعتدل) لأنه مصطلح قد يوحي وكأننا نقوم بتغيير الإسلام إلى شيء جديد، بينما نحن - كما يقول الأمير - نرجع إلى الإسلام الحقيقي النقي، إلى الجذور، إلى تلك الحقبة التي عاش فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الأربعة الراشدون، إلى تلك الفترة التي كانت المجتمعات منفتحة، وتحترم جميع الثقافات والديانات.
* *
وعن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، قال ولي العهد ما لم يقله غيره أو يسبقه إليه، فقد اعتبره كسائر الدعاة، وداعية فقط، وزاد على ذلك بأنه من ضمن العديد ممن عملوا من السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى، لكن المشكلة -يقول الأمير- أن الناس الذين كانوا قادرين على القراءة أو الكتابة هم فقط طلاب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتمت كتابة التاريخ بمنظورهم، وتمت الإساءة باستخدام ذلك من متطرفين.
* *
وجاء تصحيح التاريخ، أعني تاريخ المملكة وتنظيفه وتنقيته من روايات وآراء غير موثقة ضمن سياق ما قاله الأمير من أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس هو السعودية، فالسعودية لديها المذهب السني والمذهب الشيعي، وفي المذهب السني توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة، وكأني بسموه أراد أن يصحح ما يتم تداوله بالخطأ من قوى معادية بإطلاق صفة الدولة الوهابية على المملكة، وبالمثل وكأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب صاحب مذهب خامس.
* *
ومن حين لآخر، هناك من يتحدث عن إمكانية تغيير نظام الحكم، لتكون بلادنا ضمن الدول ذات الأنظمة الملكية الدستورية، دون النظر إلى الفوارق والظروف والمكان والخلفية بين المملكة وغيرها، وكان هذا أحد محاور اللقاء، وأجاب عنه الأمير محمد، بأن السعودية دولة ملكية مطلقة أقيمت وتأسست على نموذجها الخاص، وتحت هذا النموذج لهذه الملكية هناك نظام معقد يتكون من أنظمة قبلية، وشيوخ وقبائل، ورؤساء مراكز وهجر، وهذا مثال لكيف تبدو الملكية المطلقة في السعودية.
* *
يضيف الأمير: أنا لا أستطيع تغيير السعودية من ملَكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملَكية قائمة منذ ثلاثمائة سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية بهذا الأسلوب، وكانوا جزءاً من استمرار السعودية دولة ملكية، وأعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالمملكة، وتغيير هذا الأمر يُعدّ خيانة مني لأفراد عائلة آل سعود، وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر وانقلاباً عليهم.
* *
وما لا يفهمه الغرب بساسته وإعلامييه، أن (المملكة المطلقة) لا تعني، كما أوضح ذلك ولي العهد، أن الملك - حفظه الله- يمكنه أن يستيقظ ويفعل ما يحلو له، فهناك أمر أساسي يقود الطريقة الشرعية لإدارة شؤون البلاد، وهو النظام الأساسي للحكم الذي ينص على أن هناك ثلاث سلطات: التنفيذية التي يقودها الملك كرئيس لمجلس الوزراء، أما السلطتان الأخريان (القضائية والتنظيمية) فلا يقودهما، ولكنه يقوم بتعيينهما.
* *
وضمن رسائل الحوار قال الأمير إن أفراد الأسرة المالكة جزء من الشعب، مواطنون مثلهم، فقد تربوا هنا، ويتزوجون من عامة الناس، وليس لأي فرد من الأسرة المالكة حق خاص ليمارسه ضد الشعب، وإذا تخطَّى حداً فسوف يُعاقب مثل أي شخص في السعودية، وإذا ارتكب جريمة سيعاقب، ويواجه القانون كأي شخص آخر، أما كونه فرداً من الأسرة المالكة فهو لقب عليه احترامه.
* *
أجل فالمملكة قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وعلى ثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة الإسلامية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار، وهذا الكلام الجميل القائم على تصوير الحالة السعودية ليس كلامي، وإنما هو كلام الأمير محمد بن سلمان، فكيف يستقيم المنطق، ويوافق العقل، ويرتاح الضمير، مع الدعوة إلى مملكة دستورية.
* *
الأمير محمد أفصح بأنه لن يتم تعيين إخوانه ولا أحد من أبنائه في حال صار ملكاً، بعد عمر طويل إن شاء الله لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله ورعاه- وأن عليه أن يختار لولاية العهد أميراً من فرع مختلف وفقاً لنظام هيئة البيعة، لكن هذا سيظل في الكتمان، فهذا من الموضوعات المحظورة، التي لا يعلمها إلا أبناء العائلة المالكة، الملك وولي العهد، والأعضاء الـ34 في هيئة البيعة، أي أن ضمان تسلسل الحكم يتمتع بترتيبات ساعدت على الاستقرار، والاستمرار، دون أي ارتباك، أو تباين في وجهات النظر.
* *
أريد أن أقول - كصحفي متابع - إن الصحفيين في الغرب لا يفهمون طبيعة الشعب السعودي، وليس لديهم الخلفية الكافية للاقتراب من تفكيرهم ومعرفة ما يدور في أذهانهم، فتأتي أسئلتهم مثيرة، وأحياناً استفزازية، إن لم تكن عدوانية، سواء عن جهل أو عن قصد، وفقاً لأجندة هؤلاء، ففي لقاء مجلة (أتلانتيك) مع ولي العهد من الواضح أن الصحفي يجهل أن رأس المؤسسة الإسلامية هو ولي الأمر أو الحاكم، وهو في بلادنا الملك، وبالتالي فقد كان على ولي العهد أن يوضح له أن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا تأتي من المفتي، بل إن القرار النهائي يتخذ من الملك، بمعنى أن المفتي وهيئة الإفتاء يقدمون المشورة للملك، فالتعاليم الإسلامية تعطي للحاكم حق القرار النهائي، وقد بُويع على ذلك، وبالتالي فكلمة الفصل هي للملك دون غيره، ولكن إذا استخدم السلطة بوصفه الملك دون المرور بأخذ المشورة من المفتي والسماح له بالنقاش، والشرح، وتقديم الأدلة التي استند عليها في فتواه، معتمداً على تعاليم الإسلام منذ زمن الرسول والخلفاء، ومن التدبر من القرآن والأحاديث حتى يوضح مقصده، فإن ذلك قد يخلق صدمة في الشارع، وصدمة للشعب، لذلك فالملك يصغي ويستمع ويستشير، ويبني قراراته من خلال هذه الدائرة الواسعة في التعامل مع كل القضايا التي تمس مصالح الناس، بعد التأكد من أن الشعب مستعد لهذه الفتوى، ويؤمن بها.
* *
وكان من غير الطبيعي أن لا يخلو لقاء مع محمد بن سلمان كهذا اللقاء مع المجلة الأمريكية دون سؤاله عن الفساد في المملكة، غير أن الإجابة عنه كانت حاضرة في ذهن الأمير، وبكل التفاصيل، وقد أشار إلى أن البعض اعتقد أن المملكة سوف تحاول اصطياد الحيتان الكبيرة والمحترفة فقط، لكنهم بحلول عام 2019 إلى 2020م أدركوا أنه حتى لو سرق أحدهم 100 دولار فسوف يدفع الثمن، وهذا حدث ويحدث مع كل من الفاسدين دون تحديد لسقف حجم السرقات أو الرشاوى أو الاستيلاء على المال العام.
* *
وحين عاد السؤال إلى محور الفساد، وكان الأمير في موقف المهيأ في تقديم المزيد من المعلومات عن آثار، فقد تحدث عن إيقاف مشكلة ضخمة -بحسب تعبيره- في المملكة، ففي كل ميزانية كانت هناك نسبة عالية تذهب للفاسدين، لهذا كان يستحيل أن يكون لدينا نمو بنسبة 5.5 % من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولن ويستحيل أن لدينا زيادة 50 % في الاستثمار الأجنبي بالمملكة لو استمر الفساد، وأن يكون هناك وزراء أكفاء، ولا أشخاص أكفاء بارزون يعملون في الحكومة، ويكافحون ليل نهار، ويعملون على مدار اليوم، ما لم يعتقدوا أنهم يسلكون طريقاً قويماً ومشروعاً، وهذا لن يحدث طالما كان هناك فساد بالمملكة، بهذا المنطق، وبهذا الأسلوب والتحليل والتفكيك لحالة الفساد في المملكة يعلمنا محمد بن سلمان عن الكيفية التي تدار بها الدولة لحمايتها من الفساد.
* *
وامتدادًا لرفض المملكة لأي ضغوط عليها، وعدم قبولها بأي تدخل في شؤونها الداخلية، فلم يكن مستغربًا من ولي العهد أن يعطي أمثلة دافعة ومقنعة على استقلالية قراراتها، فالعبودية لم تلغ قبل أكثر من ستين عامًا لأن هناك ضغوطًا مورست على المملكة، بل لأن هناك تأثيرًا جيدًا من الدول الأجنبية، فقد درس السعوديون في الخارج، وجاءت الشركات الأمريكية والأوروبية، وغيرها من الشركات لتعمل في المملكة، وكان تأثير ذلك قويًا، وعليه تم إلغاء العبودية لأنه أمر خطأ، ولا يمكن الاستمرار به، وهنا يكون الفرق بين ممارسة الضغوط الخارجية، أو أن يكون ناشئًا عن ثقافة جديدة تم اكتسابها من البعثات التعليمية للمواطنين في الخارج، ودخول الشركات للعمل والاستثمار بالمملكة.
* *
هل هناك منافسون للأمير محمد بن سلمان على ولاية العهد، ومستقبلاً كملك، ووجود أي ارتباط بذلك مع من تم وضعهم في (الريتز كارلتون)؟ هذا كان أحد محاور لقاء المجلة الأمريكية مع سموه، والإجابة إن هؤلاء أصلاً غير موجودين، فكيف لي - يقول الأمير - أن أتخلص من أشخاص ليس لديهم سلطة وبهذه الطريقة، مع أن ما حدث في (الريتز كارلتون) لم يكن اعتقال أشخاص بل كان من أجل استعادة أموال حصلوا عليها دون وجه حق، وتُركت أمامهم خيارات عدة لمعالجة ذلك، بمعنى أنه لم يكن اعتقالاً، ولم يكن سجنًا، وحُلت المشكلة مع كل منهم وديًا، بما يعادل 90 % منهم، وهو إجراء معلن، ومعروف.
* *
في محور آخر يصف ولي العهد ما كان قد حدث من خلاف مع دولة قطر بأنه شجار بين أفراد العائلة الواحدة، وهو وصف دقيق، إذ لم يكن الخلاف أكثر من سحابة صيف، وهي حالة تمر بين الأشقاء، لتعود المياه إلى مجاريها، وهو ما حدث، وقد أكد الأمير في لقائه على أنه لا يرغب في الحديث عن أشياء سلبية، مؤكدًا تجاوز الشجار في العلاقة بين المملكة وقطر، وأن العلاقة الآن رائعة ومذهلة بين الدولتين، وأن الشيخ تميم شخص رائع وقائد، وكذلك الحال لبقية قادة دول المجلس.
* *
في المقابل فإن إيران، وإن لم تكن خصومتنا معها عائلية فهي جارة، ولا بد من التعايش معها، ولا خيار آخر، غير أن ذلك يقتضي حل الأمور الخلافية وديًا. وهناك مؤشرات وتصريحات إيرانية ودية، كانت محل ترحيب لدى المملكة، وهناك مناقشات على مدى الشهور الأربعة الماضية، والمهم والمطلوب أن يشكل ذلك مستقبلاً مشرقًا للمملكة وإيران، فليس بإمكان لا المملكة ولا إيران التخلص من أي منهما، لهذا فالتعايش هو الحل الأفضل، كما فهمت من إجابة سموه حيث سُئل عن مستقبل العلاقة مع إيران.
* *
وللمرة الأولى يعلن ولي العهد أن المملكة لا تنظر إلى إسرائيل بوصفها عدواً، بل تنظر إليها كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن للبلدين أن يسعيا لتحقيقها، لكن سمو الأمير اشترط لتحقيق ذلك حل المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أي أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك، حتى تكون حليفاً للمملكة.
* *
حوار المجلة الأمريكية كان ساخناً، مثيراً، وأحياناً تأتي بعض الأسئلة استفزازية، وكان الأمير يتقبلها بصدر رحب، ولم يظهر عليه الامتعاض، أو الاحتجاج، أو عدم القبول، أو رفض الإجابة عنها، وهذا يفهمه من يمارس مهنة الإعلام، ويعمل في بلاط الصحافة، على أنه منتهى القبول والتعاطي الهادئ مع النقد، وعدم التأثر من أي طرح أو نقد بحساسية مفرطة، وحين كان السؤال عن حساسية النقد قال الأمير «شكراً على هذا السؤال، ولو لم أكن قادراً على التعامل مع النقد لما كنت جالساً معك اليوم، أستمع لهذا السؤال، والسؤال السابق، والسؤال القادم الذي ستسأله».
* *
والإعلام السعودي -كما يراه ولي العهد- عليه أن ينتقد عمل الحكومة وخططها، لأن هذا أمر جيد، والإعلاميون يفعلون ذلك بشكل جيد، ويناقشون عدداً من القضايا، وينشرون الأفكار، ويتحدثون عن كل خطة، وعن كل إستراتيجية، وعن كل سياسة تقوم بها كل وزارة، ونحن بحاجة إلى ذلك، وبالنسبة لي كولي عهد المملكة العربية السعودية فهو أمر جيد.
* *
وفي هذا الحوار المهم قيَّم سمو الأمير الوزراء والمستشارين، وقال إنهم يتمتعون بقدرات فائقة، وإنه محظوظ جداً لوجودهم، فلديهم عقول مذهلة، وأفكار مدهشة، ولديهم شغف كبير بما يؤمنون به، إنهم يعملون بقوة لتحقيق الأشياء، ويناقشون بشدة، وهكذا، فالأمير لا يبخس جهد مساعديه ومستشاريه، أياً كان موقعهم، بل إنه محفز ومشجع لهم على الأداء الجيد، والعمل الدؤوب، والإخلاص في العمل.
* *
وضمن حوار محمد بن سلمان المهم فقد شخَّص حالة القضاء في المملكة، وقال إن أمامنا طريقاً طويلاً لتحسينه ولتغييره من خلال مجلس الوزراء ومجلس الشورى، إلى جانب ما تم من تغييرات كبيرة خلال الفترة الماضية، لكن طموحنا أن نصل إلى معايير عالمية على الصعيد الدولي، يقول الأمير كل هذا، مع أن القضاء كان له نصيب من الإصلاحات التي مست كل مفاصل الدولة، وجعلت المملكة تتغير بسرعة إلى الأحسن في كل شأن من شؤونها.
* *
ومع كل هذا النجاح، فقد تبادر إلى السائل ما وصفه بأن المملكة قد تشهد أوقاتاً تكتنفها المخاطر الكبيرة، وهو سؤال يقصد به عدم استقرار المملكة، وخطر مرتبط بعدم استمرار السلطة، لكن الأمير ذكره بالعودة إلى المائة عام الماضية، وخلالها كان تداول السلطة يتم سلمياً، فعند وفاة الملك يصبح ولي العهد ملكاً على الفور، ويتم تعيين ولي عهد جديد أطال الله في عمر الملك، ونحن نتعلم من الأخطاء المرتكبة بواسطة كل جيل، ونراقب عن كثب حتى لا تتكرر، وأن تكون الخلافة سلمية ومستمرة.
* *
ولم يتردد سمو الأمير في حديثه للمجلة الأمريكية من اتهام الولايات المتحدة الأمريكية بأنها أعطت المتطرفين فرصة سانحة خلال وجودها في العراق، تماماً كما هم الإخوان المسلمون، وكذلك ما تفعله إيران في دعمهم، أي أننا أمام خليط من المتطرفين، وبينهم بعض المتطرفين في السعودية ممن ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين، أي أن قصر التطرف على فئة دون أخرى وتنظيم دون آخر، خطأ استراتيجي كما يُفهم من إجابة سموه، فالتطرف ليس محصوراً في دين أو دولة، وإنما هو موجود حيث توجد البيئة المناسبة لتوالده.
* *
وضمن مبدأ التسامح الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان ما أشار إليه من إلغاء عقوبة الإعدام ما عدا فئة واحدة وهي فئة القصاص، ومع ذلك، فإن التنفيذ لا يتم إلا بعد ستة أشهر أو حتى بعد عام لإعطاء العائلة التي فقدت فرداً مقتولاً الوقت ليهدأوا ويتفكروا بتمعُّن، وإننا نبذل - والقول لسمو الأمير - قصارى جهدنا في هذا الشأن، وسنبذل المزيد حيال ذلك، أما عقوبة الجلد التعزيرية فقد تم إلغاؤها تماماً، وأصبحت من الماضي.
* *
والأمير محمد يرفض أي ضغوط على المملكة، أو تدخلاً في شؤونها الداخلية، مع اعترافه بأن المملكة لم تصل بعد إلى المعيار الاجتماعي الذي تطمح إليه، ومع ذلك، فنحن نختار التغييرات التي نعتقد أننا - كسعوديين - نشعر بالثقة فيها، بناء على ثقافتنا ومعتقداتنا، وبذلك فإن ممارسة الضغوط من أمريكا وغيرها لم ولن تُجدِ نفعاً على امتداد التاريخ، وأن أي ضغط علينا بخصوص شيء نؤمن به، فإن ذلك سيكون سبباً يصعّب علينا تنفيذه، فالمملكة صاحبة قرار مستقل، وسياسة هي من تحددها، وهي ليست تابعة لأحد، وإنما تعمل على ما يحقق مصالحها وأهدافها.
* *
وحول المرأة، وإنصافها، ومنحها كامل حقوقها، واستغراب محاور سمو الأمير من عدم إقرار الأمريكيين بنسب مزيد من الفضل للمملكة فيما يخص قضايا المرأة، فكان جواب ولي العهد نصاً: نحن لا نقوم بذلك لينسب إلينا الفضل، هذا لا يهمنا، وما نقوم به من أصلنا نحن السعوديين، فإذا نظرتم -يقصد أمريكا- إلى الأمر من منظور صحيح فشكراً لكم، أما إذا كنتم لا تهتمون كثيراً فهذا شأنكم.
* *
باختصار فإن طموح محمد بن سلمان لا حدود له، ولا نهاية محددة يمكن أن نضعها بين قوسين، فهو لا يرى خطاً لنهاية طموحه، لأنه لو رأى ذلك، فهو -بنظره- يرى نفسه قائدًا سيئًا، لأن خط النهاية -بحسب رأيه- يعد شيئاً بعيداً، وكل ما على سموه عندئذٍ سوى الركض، والاستمرار في الركض بسرعة أعلى، والمواصلة في خلق المزيد من خطط النهاية، مع الاستمرار في الركض. كلام جميل ينم عن عهد ووعد من سموه لشعبه على أنه لا نهاية أبداً لطموحاته التي تراها واقعاً مفرحاً وساراً.