«الجزيرة» - خاص:
قطاع البتروكيماويات يعتبر حجر الزاوية في استراتيجية المملكة لتنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل اعتماد الاقتصاد الوطني على عائدات البترول المتذبذبة ومن هذا المنطلق فدوره كبير في تحقيق رؤية المملكة 2030. تفاصيل أوسع عن هذا الدور وعن القطاع بشكل عام تستعرضه (الجزيرة) في حوار مع الأمين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (جيبكا) الدكتور عبدالوهاب السعدون.
* كيف ترون قطاع البتروكيماويات السعودي في ظل رؤية المملكة 2030؟ وما الانعكاسات المتوقعة للقطاع على مستوى دول الخليج؟
- قطاع البتروكيماويات يعتبر حجر الزاوية في استراتيجية المملكة لتنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل اعتماد الاقتصاد الوطني على عائدات البترول المتذبذبة ومن هذا المنطلق فدوره كبير في تحقيق رؤية المملكة 2030. وخلال العقود الماضية نجحت المملكة في بناء صناعة للبتروكيماويات الأساسية والوسيطة ذات تنافسية عالمية وأضحت المملكة في الوقت الحاضر أحد مراكز الثقل الرئيسة لصناعة البتروكيماويات عالميا وإقليميا فهي تشكل ما يقرب من 74.8 في المائة من إنتاج دول الخليج من البتروكيمياويات ونحو 7 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي لجهة الحجم. وعالميا للمملكة حصة كبيرة ومتنامية من إنتاج البتروكيماويات السلعية تشكل 24 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي لجلايكول الاثيلين وما بين 11 في المائة و 16 في المائة من حجم الإنتاج العالمي للبولي اثيلين بأنواعه. ولكون الصناعة موجهة للتصدير يتم تصدير ما نسبته 80 في المائة من إجمالي إنتاج المملكة من البتروكيماويات ما جعل المملكة تتبوأ مكانة متقدمة في مجال التجارة الدولية لهذه المنتجات حيث تستحوذ على 76 في المائة من إجمالي التجارة العالمية لجلايكول الاثيلين ونحو 50 في المائة من التجارة العالمية للبولي اثيلين و47 في المائة للبولي بروبلين و33 في المائة للميثانول.
ومنذ انطلاق الصناعة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي حافظت صناعة البتروكيمياويات على معدلات نمو عالية تعد الثانية عالميا بعد معدلات النمو في الصين. وفي العقد الماضي 2012 - 2020 بلغ معدل النمو السنوي المركب للطاقات الإنتاجية في المملكة 7.5 في المائة وهو من بين الأعلى عالميا. وبنهاية عام 2020 بلغت الطاقة الإنتاجية لصناعة البتروكيماويات في المملكة نحو 112 مليون طن وحققت إيرادات بلغت 42 مليار دولار. وتوظف الصناعة في المملكة نحو 290 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة وحققت نسبة توظيف هي الأعلى خليجيا بنسبة 64.6 في المائة ونسبة توطين 80 في المائة في قطاعي التصنيع والكيماويات في عام 2020.
وفيما يخص التوجهات المستقبلية لصناعة البتروكيماويات أظهر تقريرنا الأخير «صناعة الكيماويات الخليجية - حقائق وأرقام» أن الصناعة مستمرة في مسيرة التوسع وإن بمعدلات أقل في حجم الطاقات الإنتاجية مع التركيز في الموجة الجديدة من التوسعات على التكامل مع مصافي التكرير وتنويع قاعدة المنتجات وإنتاج منتجات وسيطة جديدة تنتج لأول مرة في المملكة مما يحفز تطوير صناعات تحويلية جديدة في الفترة المقبلة.
وتعكس موجة النمو الحالية تقديرات حجم الاستثمارات الرأسمالية للمشاريع التي يجري تنفيذها بين عامي 2020 و2024 والتي تقدر بنحو 71 مليار دولار منها 20 مليار دولار في السعودية.
كما تتجه شركات الكيماويات في المملكة ودول الخليج للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة لتأمين مصادر طاقة نظيفة وتقليل بصمتها الكربونية متماشية بذلك مع نهج دول المجلس نحو مستهدفات الحياد الكربوني والاقتصاد الدائري. وتأتي ضمن هذه المشاريع والمبادرات المتعلقة في إنتاج الهيدروجين والأمونيا الزرقاء من الغاز الطبيعي، والهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة المتجددة في كل من المملكة وعمان وقطر وأبوظبي.
* ما هي أبرز التحديات التي ما زالت تشكل عائقاً أمام القطاع؟ وما تقييمكم للجهود المبذولة تجاهها؟
- التحديات كانت وستبقى ملازمة لمسيرة صناعة البتروكيماويات التي تعد صناعة عالمية تتأثر بصحة الاقتصاد العالمي التي بدورها تحدد معدلات الطلب، فعندما يحصل انكماش في الاقتصاد العالمي ينسحب ذلك على تراجع في معدلات الطلب على البتروكيماويات كما هو الحال خلال عام 2020 حيث تسببت الجائحة في تراجع الطلب بنسب تتراوح بين 20 - 35 في المائة لعدد كبير من البتروكيماويات السلعية، الأمر الذي تسبب بدوره في تراجع حاد في إيرادات مبيعات الصناعة. وعلى الرغم من أن الصناعة الخليجية كانت من بين الصناعات الإقليمية القليلة على مستوى العالم التي احتفظت بمسار نمو إيجابي ما يعكس مرونتها العالية، إلا أن إيرادات مبيعاتها تراجعت بنسبة 20.9 في المائة إلى نحو 54.1 مليار دولار أمريكي لتصل إلى مستويات لم نشهدها منذ أكثر من عقد من الزمان.
ولكونها صناعة ذات طابع تصديري تأثرت الصناعة السعودية والخليجية بالنقص في الحاويات العالمية والارتفاع الحاد في تكاليف الشحن التي زادت بمقدار خمسة أضعاف معدلات ما قبل الجائحة وتسببت بالتالي في تآكل هوامش أرباح المصدرين الخليجيين. وواكب ذلك زيادة في الإجراءات الحمائية التي تبنتها بعض الدول الآسيوية وفي مقدمتها الهند بفرضها رسوم إغراق على صادرات الكيماويات الخليجية. وهذه المصاعب والتحديات كان لها بعد اجتماعي أيضا فلقد انخفض عدد العاملين في قطاع الكيماويات لدول مجلس التعاون الخليجي لأول مرة خلال العقد الماضي بنسبة 4.9 في المائة و1.9 في المائة في عامي 2019 و2020 على التوالي. ولعل الجانب المشرق خلال هذه الفترة هو ارتفاع نسبة النساء 6 في المائة من إجمالي القوى العاملة في الصناعة من 3 في المائة إلى 6 في المائة في عام 2020.
* ماذا عن حجم التعاون الخليجي وأبرز المشاريع المشتركة التي تخدم القطاع؟
- التعاون بين شركات البتروكيماويات في دول الخليج قديم ومستمر منذ عقود لكنه لا يخرج عن إطار التدريب وتبادل قطع الغيار ولم يرق إلى مستوى التعاون في الشراء الموحد للمواد وقطع الغيار وهو أمر قائم على المستوى الوطني. وهنا يبرز دور فاعل للاتحاد الخليجي للبتروكيمياويات (جيبكا) الذي أطلق في عام 2006 كمنصة لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين الشركات الأعضاء التي تشكل 95 في المائة من حجم الإنتاج الخليجي للبتروكيمياويات.
أما فيما يخص المشاريع المشتركة خليجيا فللأسف تقتصر على شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات في البحرين التي تأسست عام 1979 وتعود ملكيتها إلى الشركة القابضة للنفط والغاز في مملكة البحرين، وشركة سابك لاستثمارات المغذيات الزراعية في المملكة العربية السعودية وشركة صناعة الكيماويات البترولية في الكويت. ومن المشاريع المشتركة الجاري تطويرها في الوقت الحاضر مشروع مصفاة الدقم في عمان لمعالجة الخام الكويتي والعماني بسعة 230.000 برميل في اليوم وتتضمن مرحلته الثانية تكامل المصفاة مع مجمع لإنتاج البتروكيمياويات. والمنشأة عبارة عن مشروع مشترك بالتساوي بين شركة أوكيو في عمان وشركة البترول الكويتية العالمية (كيو8). وفي الآونة الأخيرة رشحت أخبار عن مباحثات لتواجد سابك في مشاريع سلطنة عمان ونعتقد بوجود فرص لمزيد من التعاون بين الشركات الخليجية لتحقيق تعاون وتكامل أكبر والذي سينعكس بدوره إيجابا على تعزيز تنافسية المنتجين الخليجيين في الأسواق العالمية.