رجاء العتيبي
رحلة خليل الرواف باعتباره أول ممثل عربي/ سعودي في هوليوود في الثلاثينيات الميلادية، رحلة تستحق التوقف عندها كثيراً، وأولى هذه الوقفات: لماذا لم تتكرر التجربة من آخرين، وما مدى تأثيرها محلياً، وهل شاهدها الجمهور السعودي في أولى سنوات توحيد المملكة مستهل الثلاثينيات الميلادية، لعل هذه التساؤلات يضمها مقال لاحقاً.
هنا سيكون التركيز على التجربة السينمائية التي عاشها الرواف بأمريكا/ لوس أنجلوس، ولن يشمل الحديث حياته التي استمرت قرناً من الزمان منذ ولادته عام 1895م، حتى وفاته عام 2000م، عن عمر 105 سنوات. وهي ليست أهم محطات حياته، إنما هي جزء قصير جداً، من قصص كثيرة ضمها كتابه: صفحات مطوية.
وتبدأ قصته مع السينما، حين اختلف الرواف مع زوجته الأمريكية فرانسيس في أرزونا، وتطور الخلاف حتى انفصل عنها نهائياً، تركها واستقل قطاراً إلى لوس أنجلوس وليس معه سوى 10 دولارات بعد أن دفع أجرة القطار 40 دولاراً، ولأنه يملك بعض العلاقات ويعرف بعض الأماكن في أمريكا، تمكن من العمل في استوديوهات هوليوود مستشاراً للثقافة والفنون العربية.
في أحد الأيام، كان الرواف عند صديق له لبناني في منزله، وإذا بمخرج فيلم I cover the war آرثر لوبين، يدخل عليه، ويسأله إذا يعرف شخص لديه ثقافة عربية ويعرف ملابس أهل البادية في العراق، للعمل معه في الفيلم. اللبناني فورا قال: لم تبعد كثيراً، إنه الماثل أمامك خليل، عاش في العراق ثلاث سنوات، ولديه ثقافة واسعة عن عادات وملابس العرب وأهل الصحراء.
سعد به المخرج آرثر لوبين وشعر أن خليل الرواف فعلاً جاء في وقته، اتفق معه فوراً على أن يباشر مهمة تصميم وتنفيذ ملابس القبيلة العراقية وكل ما يتعلق بها من عادات وتقاليد، تحت مسمى مخرج فني، على أن يأخذ 500 دولار أسبوعياً. لم يصدق خليل الرواف هذا العرض الوظيفي، بهذا المبلغ الكبير في حينه، مبلغ لم يكن يحلم به، فهو في أمس الحاجة إليه، اتفق الطرفان وبدأ العمل، وبعد فترة من العمل احتاج المخرج إلى ممثل يقوم بدور حارس شيخ القبيلة، بحثوا هنا وهناك لم يجدوا الشخص المناسب.
وعندما يأسوا لم يجدوا أفضل من خليل الرواف يقوم بهذا الدور، فهو الأقرب لهذا الدور، دور حارس شيخ القبيلة، وافق الرواف على الدور بمبلغ 2000 دولار أسبوعياً، ووجد نفسه يقف مع أشهر ممثل سينمائي في وقته النجم الهولي وودي جون وين الذي يقوم بدور مراسل حربي لهذه الحرب الدائرة بين الإنجليز وقبائل العراق. بعد أن انتهى من تصوير الفيلم الذي استمر أشهرا، طالب الرواف، بأجره عن التمثيل وأجره عن الإخراج الفني للملابس، ولكن المنتج رفض، وقال له نعطيك أجر التمثيل فقط، رفض الرواف ذلك، كما رفض أن يكون اسمه في ذيل قائمة التتر، وهددهم برفع قضية عليهم.
خشي المنتج من موضوع المحاكم، وأراد أن يحتوي الموقف، فاتفق مع الرواف أن يأخذ أجره كممثل 2000 دولار، على أن يكتب اسمه (مخرج فني) في قائمة التتر، وفي مكان مناسب وهذا ما تم فعلاً.
الفيلم أنتج عام 1937م، يحكي قصة مراسل حربي أيام ثورة قبائل العراق ضد الإنجليز، وقام بدور المراسل الحربي جون وين. كانت هذه هي التجربة الوحيدة للرواف التي أتت عرضاً من دون تخطيط، ولا شغف، لأنه بعد ذلك، انشغل بفتح مدارس لتعليم العربية، وتقديم الاستشارات، وصار يقدم خدمات إدارية ودبلوماسية للقادمين من السعودية لأمريكا من التجار والأمراء.