د. إبراهيم بن جلال فضلون
الأحساء المحافظة الوادعة التي عرفت بالتسامح والتآخي بين فئات مجتمعها، تحّولت إلى ميدان وطني جسد تلاحم شعب وقبضته الحديدية الأمنية، ضد هجوم إرهابي استهدف إثارة الفتنة الطائفية فيها وفي مجتمعنا السعودي، مذكراً إيانا بما كان من غدر في نهاية عام 2014، حيث هاجم أربعة إرهابيين حسينية «الدالوة» في ذروة الاحتفال بمناسبة عاشوراء (العاشر من شهر محرم)، وكان التنظيم الإرهابي «داعش» قد افتتح بتفجير «الدالوة» سلسلة عملياته الدموية التي استهدفت أماكن العبادة وتجمعات المدنيين الآمنين... ليُكرر فعلته في غدر يعني أن من قام بالعملية هم «ذئاب منفردة» أي الأشخاص المؤيدون لفكر داعشي أو تنظيم الدولة الإخواني، ولكن لم يتلقوا تدريبات على أيديهما.
ففي القديح بمحافظة القطيف، استهدف انتحاري مسجد الإمام علي في بلدة القديح 22 مايو 2015، أثناء أداء صلاة الجمعة، أوقع 22 قتيلاً و102 جريح، حيث أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم، وتم القبض على 26 من أفرادها.. تبعها تفجير الإرهابي بحزام ناسف بمسجد الإمام الحسين في حي العنود بالدمام، أدى لاستشهاد 4 أشخاص من حماة المصلين، وهلاك منفذها في 3 يونيو 2015، ومنها إلى سيهات مساء الجمعة 16 أكتوبر لنفس العام مستهدفًا مسجدًا بحي الكوثر في محافظة القطيف، وما نجران ببعيدة عن أخواتها ففي 27 أكتوبر لذات العام، فجر انتحاري نفسه داخل مسجد أثناء صلاة المغرب.
لقد ذكرنا إعدام 81 إرهابياً ما تم في عام 2016 بتنفيذ حكم الإعدام بحق 47 «إرهابيا ومحرضا» في 12 منطقة، ضالعين في سلسلة هجمات، نفذها تنظيم القاعدة، في الفترة من 2003 إلى 2006، بعد إدانتهم بـ»إشعال الفتنة الطائفية» و»الخروج على ولي الأمر»، استهدفوا مقار الأجهزة الأمنية والعسكرية، وسعوا لضرب الاقتصاد لزعزعة أمن المملكة، فمنذ تفجير «الدالوة» وقعت 6 تفجيرات استهدفت المساجد في الأحساء والقطيف والدمام وعسير ونجران وسيهات وسقط فيها نحو 60 «شهيدًا» وأكثر من 160 مصاباً.
بل لا ننسي وعيد وتهديد «داعش» وأنصاره إلى استهداف الأجانب الغربيين في السعودية، وشن هجمات انتقامية لتدمير بينة المملكة الاقتصادية في 19 أكتوبر 2020، لتشهد السعودية، في أقل من شهر، عمليتين غادرتين إرهابيتين، تبنى داعش إحداهما، تفجير عبوة ناسفة في مقبرة لغير المسلمين -الخواجات- في جدة في غرب السعودية خلال إحياء دبلوماسيين أوروبيين ذكرى اتفاق الهدنة في 11 نوفمبر 1918 أدى لإصابة عدد منهم.
لقد عاش أهل الأحساء وبنوا مجتمعَهم لقرون مديدة يحفهم التسامح والتآلف والاحترام، وسيظلون هكذا، حول دولتهم وحُراس أمنهم، مؤكدين إشادتهم بموقف الدولة وسرعة تعامل الجهات الأمنية لوأد الفتنة والقبض على المجرمين والقصاص منهم، فكُلهم وكُلنا جنود أرض وطأ عليها خير قدم ونزلت فيها آيات القرآن الكريم، حريصون على السلم الاجتماعي واللحمة الوطنية ومتعاونون في مسيرة التنمية والبناء». وقد قال الأمير الواعد: «عملنا اليوم أصبح استباقيًا، وسنستمر في الضرب بيد من حديد ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمننا واستقرارنا، فلم يعد التطرف مقبولا في المملكة العربية السعودية».
إن القاسم الأكبر لكل تلك الجرائم، هو الصمود الشعبي وتآلُف الأهالي ووعيهم، ويقظة رجال الأمن وحزم السلطات الأمنية، في ضرب وفشل الإرهاب في تحقيق أي من أهدافه وغاياته، وتكسرت أهدافه في بث الفرقة والانقسام الطائفي وإضعاف الثقة بالقدرات الأمنية.
الخلاصة: لقد أظهر المجتمع السعودي، وخاصة الضحايا الذين استهدفهم الإرهاب، وعيا عالياً انعكس في مزيد من التماسك الوطني والوحدة وعدم الانجرار نحو الفتنة، حفظ الله الوطن مليكاً وشعباً.