عطية محمد عطية عقيلان
تتكرر قصة البسوس في كثير من الأحداث التاريخية، التي تبدأ بأسباب فردية وتتحول إلى مشكلة كبرى، يكون ضحيتها بشر وخسائر اقتصادية وحضارية، فحرب البسوس امتدت لأكثر من 40 عاماً وقتل فيها المئات من قبيلتي تغلب بن وائل وبني شيبان، وكانت شرارة هذه الحرب الطويلة بسبب مقتل ناقة «البسوس»، ولم تنقطع الكثير من الصراعات والخلاقات والقطيعة، لأسباب تافهة أو سخيفة أو فردية، ويكون وراءها من يشبه البسوس في قدرته على إضرام الشر وبدء خلاف وصراع طوي الأمد، وأكبر حرب مدمرة على مر التاريخ بسبب فردي «بسوسي» ما قام به الطالب الصربي غابريلو برنسيب وهو أحد أعضاء منظمة اليد السوداء الصربية، حيث اغتال ولي عهد النمسا والمجر مع زوجته في سرايفوا، لتنطلق شرارة الحرب العالمية الأولى ولمدة أربع سنوات وقتل فيها أكثر من ثمانية ملايين شخص، وانهارت اقتصاديات دول ولحقها خسائر اقتصادية جمة وانتشار كساد عالمي.
لذا لنتنبه بأن دور «البسوس» لم ولن ينقطع في حياتنا وهو مستمر ومتمدد ولكن بأشكال وصيغ مختلفة، خاصة مع انفلات وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة نشر المعلومة والخبر مهما كانت صحته، وبقليل من الحكمة والتعقل والمنطق، سنجد بأن آلاف المعلومات المتداولة في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، تحمل صفة وطريقة ومصدر «بسوسي» غير موثوق وغير صحيح، ولكن هدفه وغايته إشعال الفتنة وبث الفوضى، لتحقيق انعدام الثقة في المجتمع والوطن، وهناك في حياتنا العادية من يجيدون دور «البسوس» باحترافية واصرار والقيام بدورها، من تفريق بين الناس وإذكاء الخصومة والبغضاء بينهم، ويجيدون بفن «سكب البنزين على النار»، وشهدنا كثيرا من العلاقات انقطعت وتحولت إلى عداوة بسبب من قام بنقل الكلام بأسلوب «البسوس» بإضافة البهارات للحقد والغل على قائلها، وهناك مقولة لشيخ السلام ابن تيمية «الفتنة إذا وقعت، عجز فيها العقلاء عن دفع السفهاء»، طبعاً ينشط وكلاء «البسوس» وتجدهم يتحركون لتعكير كل قصة نجاح أو تقدم للبلد أو تحقيق ربح أو مكانة اجتماعية أو وظيفية لأحدهم، وتصبح بيئة خصبة لأحفاد وتلاميذ «البسوس»، للقيام بدورهم في نشر الاشاعات المزيفة، والبحث وتصيد الأخطاء وبث جزء من الحقيقة والكثير من الأكاذيب بغرض نشر عدم الثقة والأمان في بلدانهم ومجتمعهم والتقليل من أي إنجاز، ويتفنون في تكسير المجاديف وانتقاء الأخبار وتسليط الضوء على الشاذ من الفعل والقول، ولا يتوقف «البسوسيون» إلا بعد أن يحققوا أهدافهم وينجحوا في التفريق بين الأصدقاء أو الأزواج أو يشعلوا الفتنة في بلدانهم ويشيعوا الفوضى، وهذا يستوجب منا جميعاً تفعيل فلترة ما يصلنا بحق أصدقائنا وأقاربنا وأوطاننا، وعدم إغفال دور التقنية في تزييف الحقائق ونشر الكذب واجتزاء المعلومة وتضخيمها، ومنذ العلاقة الإنسانية وانتشار الشعر والقصص وهي تعتمد على الجانب النفسي لجذب المتلقي، ومع عصر التكنولوجيا وبدء الإعلام التقليدي انتهجت الأسلوب العلمي والدراسات المؤثرة في نفسيات الشعوب لتقديم ما يؤثر فيهم من خلال «دس السم في العسل»، وهو مبدأ مكمل لمنهج مدرسة «البسوس» في اشعال الفتنة، معتمدة على الجانب العاطفي وتحريض جساس لقتل ابن عمه كليب بن ربيعة وكانت البداية لحرب داحس والغبراء لأربعين سنة، ودوما تحتاج الفتنة لتحقيقها، وجود طرفين، دور من يشعلها كما قامت به «البسوس»، وطرف يصدقها ويتأثر بها «ويطير فيالعجة» وهذا ما قام به جساس، وبدون وجود من يصدق الفتنة أو الكذبة أو الافتراء أو الشائعة لن يكون لها تأثير، ونختم بمقولة مهمة للشاعر الأمريكي ازار باوند «الحب يحمينا من الأخطاء، أما الكراهية فتعمينا عن الحقائق»، فلنحرص على ممارسة أقصى درجات الحب مع أوطاننا وأقاربنا وأصدقائنا حماية لنا ولهم على علاقة مريحة وطويلة وصحية بأمن وسلامة.