خالد بن حمد المالك
سرقت الحرب المحتدمة في أوكرانيا الأضواء الإعلامية عن القضايا والتطورات الأخرى في العالم، إذ إن التركيز أصبح على هذه الحرب ولكن على حساب الصراعات الأخرى، فلم تعد القنوات الفضائية تتحدث عن الوضع في لبنان وسوريا وليبيا والعراق والسودان وتونس وغيرها مثلما كان يحدث ذلك قبل الحرب الأوكرانية، وإن فعلت فهو على استحياء شديد.
* *
حتى إطلاق إيران صواريخها على أربيل العراقية لم يأخذ بعدًا إعلاميًا يوازي أهمية وخطورة الحدث، خصوصًا وأنه يتزامن مع تعليق مباحثات النووي الإيراني، وانشغال الدول المعنية عنه في البحث عن مخارج لإيقاف القتال في أوكرانيا.
* *
وللحقيقة فإن هذا التحول الإعلامي في التعاطي مع التطورات في الحرب الروسية - الأوكرانية سببه خطورة هذه الحرب، وما يمكن أن تتركه من تأثيرات خطيرة قد تمتد إلى خارج محيط القتال الحالي، وقد تجر دولاً أخرى إليه، إذا ما تم الاستمرار في التصعيد، والتمسك من قبل كل طرف بما تمليه عليه قناعاته.
* *
غير أن العودة إلى ما حدث في الأيام الأخيرة من أضرار بشرية وعمرانية واقتصادية وسياسية لا يترك للعالم الكثير من المساحة للتفكير العاقل والحكيم لإيجاد حلول لهذه الحرب، فهناك تدخلات، وهناك أطماع، وبالمجمل هناك تهور في استخدام القوة من الطرفين بدلاً من الدبلوماسية الهادفة لإيجاد حلول للخلافات.
* *
ومع ذلك، فإن مصلحة روسيا وأوكرانيا، ومعهما العالم أن يتوقف القتال، وإن تذهب موسكو وكييف إلى طاولة الحوار، وإنعاش كل رأي سليم، وموقف عاقل، ووجهة نظر حكيمة للخروج من مأزق الحرب، وإلقاء السلاح، والنظر إلى ما هو أبعد من ذلك لإحلال السلام في المنطقة، وبالتالي إحلاله على مستوى العالم.
* *
على أن هذا لا يمكن أن ينسينا ما يقوم به التنظيم الإرهابي في اليمن، وأعني به الحوثي المدعوم من إيران، ولا ما يمر به لبنان بسبب حزب الله الإرهابي الممول من إيران أيضًا، كما لا يمكن أن تنسينا هذه الحرب الوضع في ليبيا وسوريا والعراق والسودان وتونس، وكلها يجب أن تكون تحت المجهر، وأن يُبحث عن حلول واقعية لها.
* *
إن ترك بعض الدول في حالة صراع وخلافات، وغض النظر عن التدخلات الأجنبية فيها، والتسامح مع من يوقد لهيب هذه الفوضى، دون محاسبتهم، هو من يقوّض السلام والاستقرار في العالم، ويجعله في حالة من الاقتتال والاقتتال المضاد، ونشر الرعب والخوف بين الناس.
* *
وفي ضوء كل هذا، فإن مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة كلها معنية باستتباب الأمن، وأن على الدول دائمة العضوية أن تمارس صلاحياتها، وترسخ مبدأ التوافق فيما بينها على ما يعزز الأمن والسلام في مختلف دول العالم، بعيدًا عن الأطماع، ونزعة السيطرة والعدوان، وأن هذا معي وهذا ضدي، في زمن يكثر فيه السلاح، ويتطور، ويتنوع، ويملكه الأفراد والمؤسسات والدول دون استثناء.
* *
وعلى مستوى منطقتنا، المشغولة بعض دولها بخلافاتها على أجندة تريد كل دولة أن تكون هي السائدة، أن تعيد النظر في سياساتها، وخاصة إيران التي هي سبب الكثير من المشاكل والصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة، وهي - أعني طهران - من جرها إلى هذا الوضع الذي تمر به بعض دول المنطقة.