د.سعد بن سعيد الرفاعي
ما أعظم هذا الوطن وحدة ونبتا، وما أجمل مكوناته قيما وسمتا؛ فأنى اتجهت فيه وجدت جمالا جديدا، وحسنا فريدا، كم كنت تواقا للتوغل في قلب نجد، والوقوف عن كثب على إنسانه البعيد عن الصخب والضوضاء والاكتظاظ الذي تعاني منه المدن الكبرى كالرياض، فكانت الدعوة الكريمة التي خصنا بها الصديق الأستاذ الدكتور عبد الله الحيدري والأستاذ الشاعر عبد الله الدريهم فرصة مناسبة لزيارة (بنت طويق) مدينة ثادق الرابضة في قلب هضبة نجد، وصلنا إلى مطار الملك خالد الدولي عصر الثلاثاء وبصحبتي الشيخ أحمد النزاوي ؛لنجد الأخ الكريم الدكتور عبد العزيز الحيدري باستقبالنا بابتسامته المشعة، ليصحبنا بالسيارة إلى حيث إقامة الدكتور يوسف العارف الذي سبقنا من جدة؛ لننطلق بعدها سويا نحو ثادق التي تبعد عن الرياض مايقارب مائة وثلاثين كيلا. وصلنا إلى قرية البير مرورا بعدد من القرى، ووجدنا أستاذ الأدب والسيرة الدكتور عبد الله الحيدري باستقبالنا وإخوته في مزرعة والدهم عبد الرحمن الحيدري- رحمه الله- في البير- مسقط رأس الدكتور عبد الله، لنقضي مساء حافلا بالمعرفة والتاريخ والأدب ومسامرات لاتمل معه وإخوته وابن عمه المؤرخ عبد الرحمن الحيدر الذي استعدنا مع تاريخ ثادق التي تقع في أحضان الجبل الأشم طويق، كإحدى مدن إقليم المحمل، وقد سميت ثادق بذلك لكثرة السحب، فيقال ثادق من ثدق المطر وسحاب ثادق وواد ثادق أي سائل، وعرفنا أن ثادق موغلة في القدم فهي من أقدم قرى نجد فقد ذكر ابن ربيعة أنها تأسست سنة 1079هـ، وامتد بنا الحديث لنستعيد المواقف المشرفة لثادق مع قادة الدولة السعودية المباركة الأولى والثانية وكلك مع الملك عبد العزيز- رحمه الله- والولاء والنصرة بالمال والرجال كما استقبله أهالي ثادق استقبالا حافلا عند زيارته لها عام 1337هـ كما زار الملك سعود- رحمه الله- قرية البيرعام 1373هـ، وزار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان- حفظه الله- ثادق إبان إمارته للرياض في الرابع من شهر ربيع الآخرعام 1392وأعد له حفل خطابي كبير وكان في رفقته الشاعر عبد الله بن خميس الذي عبر عن فرحة الأهالي بقصيدة قال فيها:
تلك أحلى المنى فقبل وعانق
وارشف الراح من ثغور العواتق
واصدحي يابلابل الأيك نشوى
وخذي نحو ربعها يا أيانق
واسكب اللحن ياحمام ورتل
لبست أجمل المطارف ثادق
هزها الشوق فاستحالت طيوبا
فصباها من نفحة الورد عابق
زارها الفضل والنبوغ فأضحت
تتهادى في رائق أو شائق
طأطئي الرأس ياغرابة شوقا
وأحيلي صم الحزون نمارق
وتبجح عبيثران وردد
نغم الشوق والطلوح البواسق
الرؤى حفلا وكانت سرابا
جاء سلمان فاستحالت صوادق
هذه ثادق فزرها حبيبا
واحلل الموق والقلوب الخوافق
وبعد تناول العشاء في ضيافة مضيفنا خلدنا لنوم هانىء في المزرعة، لنستيقظ مبكرا، ثم عدنا وأخذنا قسطا وافرا من الراحة، لنقوم بجولة ضحى الأربعاء على قرية البير بصحبة الدكتور عبد الله الحيدري، ووقفنا على مدرسته التي تأسست عام 1374هـ ودرس فيها سنواته الأولى في المرحلة الابتدائية عام 1390هـ في مبناها الحكومي الذي مازالت المدرسة قائمة به والعمل جار رغم مضي ثلاثة وخمسين عاما على دراسته، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على جودة المباني المدرسية آنذاك! وبعد الظهر عدنا للمجلس الحيدري حيث توافد بقية أعضاء النخبة الأدبية لنجتمع على مائدة مضيافة من الدكتور عبد الله وإخوته، ثم انطلقنا عصرا لمزرعة المؤرخ عبد الرحمن الحيدر الذي قدم نبذة وافية عن البير وثادق والمحمل، انطلقنا بعد ذلك إلى ثادق حيث السكن، لنقوم بعد المغرب بزيارة لأحد أعيان ثادق، وهو الشيخ محمد العيسى لتناول القهوة لديه، ثم انتقلنا إلى المسرح المعد للأمسية الشعرية التي كانت بحضور محافظ ثادق الأستاذ علي القرني وشارك فيها كاتب السطور بصحبة الشعراء صالح العوض ويوسف العارف وعبد الرحمن العتل وماجد الجهني وصالح العمري وأدارها بجمال واقتدار الدكتور عبد الله السلمي، وبعد أمسية حفلت بالشعر والحب والتفاعل والدفء ولاسيما وهي تتزامن مع الاحتفال بيوم التأسيس ليتناغم الشعراء في الإنشاد المحب للوطن انطلقنا لحفل العشاء لدى أبناء عبد الرحمن بن ناصر الماجد في استراحته لنخلد بعد ذلك للنوم استعدادا ليوم حافل، بدأناه بزيارة لقصر الجماعة حيث المتحف والتراث، ومنه اتجهنا إلى قلعة الجريسي في رغبة التي جددها رجل الأعمال الشيخ عبد الرحمن الجريسي وابنه الدكتور خالد في عمل ينم عن الوفاء للمكان، ثم انطلقنا إلى وادي عبيثران لتقوم نخبة الأدباء بالمشاركة في غرس عدد من الأشجار لتكون (غابة الأدباء) مستقبلا، بعدها تناولنا القهوة في ظل ظليل وجمال أصيل في صحراء نجد، لننطلق بعدها لاستراحة البلدية لتناول طعام الغداء بضيافة الشاعر الدريهم، وقبل المغرب اتجهنا نحو متنزه قارة ابن عمار وهي واحدة من أبرز معالم ثادق (بنت الأشم)، حيث كان الشاعر ابن عمارصاحب الألفية الشعبية الشهيرة يقضي وقته بها، ومن المؤسف عدم وجود ديوان مطبوع لشعره، ولعل أحد أبناء ثادق يتصدى لهذا الجانب قادما!، قمنا بعد المغرب بزيارة الأستاذ حمد بن محمد الدريهم في مزرعته استعدنا في مجلسه قصة شهيرة عن جدهلدريهم الذي اشتهر ببناء الآبار بالحجر وموقف يدل على نخوته ليقترح الحضور توثيق مثل هذه النماذج في كتاب، وندب الدكتور عبد الله الحيدري لهذه المهمة التي وافق عليها شريطة تزويده بالوثائق والمعلومات اللازمة لمشروع كهذا .ثم اتجهنا إلى الوجيه ورئيس المجلس البلدي سابقا الدكتور حمد بن دباس السويلم الذي استضافنا في مزرعته واحتفى بنا أيما احتفاء وهو بالمناسبة ينتمي لأسرة ساري بن سويلم أمير ثادق في عصر مضى، لنتسامر في مجلسه بحديث الأدب والثقافة، وفي صباح الجمعة اتجهنا لاستراحة المنارة لدى الوجيه محمد بن حمد اليحيى الماجد الذي أعد لنا ضيافة إفطار سخية في مزرعته التي تضم عجائب شتى!، لننتقل بعد صلاة الجمعة لآخر فقرات برنامجنا في ضيافة ابن عم الدكتور عبد الله الحيدري في الحصون أحد مراكز المجمعة حيث احتفى بنا محمد الحيدري وابنه المهندس طارق رئيس الغرفة التجارية، والتقبنا بنخب من الأدباء وأعلام الثقافة كالدكتور راشد العبد الكريم والدكتور صالح النصار وبعد كرم ضيافة واحتفاء ودعنا مضيفينا بالشكر والامتنان ليصحبنا الدكتور عبد العزيز الحيدري في رحلة برية لمدة ساعتين متجهين نحو مطار الملك خالد الدولي لنعود بعدها محملين بالحب الكبير لهذا الوطن ولإنسانه الذي يحمل جمال القيم وكرم الضيافة واحتفائه بالقادمين إليه في شتى نواحيه، ولتؤكد مثل هذه الزيارات على أهمية التعرف على فسيفساء الوطن عن كثب، لنزداد تيقنا بعظمة هذا المشروع الوحدوي الذي قاده الملك عبد العزيز -رحمه الله- لبناء هذا الوطن، ولنخرج عن ثادق(عروس عبيثران) بأنها بلد أحبت أبناءها فبادلوها حبا، وقاموا بواجباتهم تجاهها ولاسيما الموسرين منهم، وهكذا هي البلاد لاتقوم إلا بأبنائها المخلصين.
تلويحة حب لثادق:
عروس عبيثران
اجتزت من شوقي اليك خنادقا
أطلقت من فرح اللقاء بنادقا
وأتيت في زخم اشتياق صاخب
قلبا يعانق بالمحبة ثادقا
لما فتحت بساح صدرك منزلا
ونصبت للآتين فيه سرادقا
أني أتيت مجابرا قلبا دعا
ماكنت يوما للخواطر هادقا
إني أتيت على جواد تيقني
لاتحسبيني إن قصدتك عادقا
من شط ينبع جئتكم متأنقا
لأقود من صدق الشعور بيادقا
يهديك يا(بنت الأشم) غناءه
لله شدوا... إذ ترنم صادقا
فطويق يحضن بالمحبة ابنة
عزت..لتشهر في يديها الوادقا
وطويق ينظر من عل في حسنها
وقلوب عشاق أتت لتصادقا
ها أنت ياقلب البلاد منيعةٌ
حفرت لكل الطامعين خنادقا
إيه عروس عبيثران تدللي
حسنا على حسنٍ أتـاك مصادقا
ينساب في واديك حسن ساحر
شد الرحال ..فصيرتك فنادقا
التائقون إلى جمالك صوبوا
نظرا لحسنك ياثويدق حادقا
قرأوا بسفحك ياطويق إضاءة
ياتائقا للحسن...يمم ثادقا