مها محمد الشريف
الأزمة الروسية - الأوكرانية أبرزت فاعلية التقنية في الطبيعة ودور الإنسان في هذه الفاعلية وطوقت كل أشكال التفاعل كما تطوقه السياسة، وعلى ضوء موقف «ماركيوز» الذي يرى أن التكنولوجيا تتحكم في الثقافة بأسرها وتخلق عالماً خاصاً يحدد العلاقات بين الناس ونمط الإنتاج وقد أصبح اعتباراً سياسياً وأداة من أدوات الحرب، فكل الأطراف تعمل على بث الشائعات وقت الحروب لخلق حالة نفسية متدنية وسلبية عند الشعوب وتستغل حواسهم طيلة المدة التي تستغرقها الحرب وتستهلك قدراً هائلاً من القوة العصبية التي تعزلها عن التفكير والتأمل.
فالإعلام الجديد بحد ذاته هيمنة مفروضة على المجتمع المعاصر ولا يمكن التخلص منه لسبب ذكره خبراء التقنية بأن طريق التقدم يتنافى مع طريق التحرر، فمنذ بدأت القوات الروسية عملياتها في أوكرانيا قطعت غالبية شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة علاقاتها مع موسكو، وعلّقت «مايكروسوفت» و»آبل» مبيعات منتجاتهما، وكذلك نتفليكس و»إنتل» و»إير بي إن بي» علقت أنشطتها في روسيا.
وبعد حجب السلطات الروسية لموقعي التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و»تويتر»، اتجه الروس نحو الاعتماد على منصة محلية شبيهة تسمى «فكونتاكتى، ويعد موقعا للتواصل الاجتماعي يمكن استخدامه مجانا، ومشابه تقريبا لـ»فيسبوك»، وهو من المواقع الأكثر شعبية في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان، وذكرت وكالة «إنترفاكس»، أن روسيا حظرت موقع «تويتر»، ردا على إجراءات غربية جرى فرضها على وسائل إعلام روسية، بعد بدء العمليات العسكرية ضد أوكرانيا في 24 من فبراير الماضي.
ويأتي حظر «تويتر» فيما كانت الهيئة المسؤولة عن تنظيم الاتصالات في روسيا، قد أعلنت حجب موقع «فيسبوك» ردا على ما قالت إنها قيود على الدخول إلى وسائل الإعلام الروسية على المنصة.
ولهذه الاعتبارات تواجه روسيا حاليا حرب منصات التواصل بمنصتها «فكونتاكتي»، التي حققت أعلى نسبة استخدام داخل روسيا عام 2021 بحسب إحصاءات «ستاتيستا»، حيث استحوذت على نسبة 73 بالمئة من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في البلاد.
لم نر من قبل مثل هذه العقوبات الشاملة في الحرب في وقت وجيز، ففي هذه المرة لم يعد الأمر يتعلق بمجرد تطبيق تقني يمكن للعالم تجاهله فلقد أسهم هذا الحجب في عواقب وخيمة أصبح الغرب متورطاً ومتداخلاً فيها على نحو بلغ من العمق والطابع ما لم يسبق له مثيل، كما أن روسيا فرضت قيوداً على منصة التواصل الاجتماعي Twitter ثاني المنصات التي تقوم روسيا بحظرها وفرض قيود عليها، حيث قامت أيضاً بحظر منصة التواصل الاجتماعي Facebook ، ورد مسؤول في Meta على إجراءات موسكو قائلًا، بأن الشركة ستستمر في القيام بكل ما في وسعها لاستعادة خدماتها في روسيا.
عادة ما تكون وسائل التواصل الاجتماعي أحدث أسلحة الحروب، فهل ساعدت تكنولوجيا الاتصال على مغالطة المستمع و المشاهد حتى يستحيل على الفرد أن يحافظ على استقلاله ويمثل إحداثية مكانة الإنسان في الكون ومصيره، أم أنه يزيد من مخاوفه وتتحول الصورة إلى أسطورة كي يخدعوا بها الشعوب، فجميع الحروب تسير نحو غاية واحدة وهدف واحد، ما كاد يطلع النهار حتى كانت الجيوش الروسية قد أطبقت على أوكرانيا، ولم يهدأ المشهد، بل ازداد اشتعالاً بواسطة وسائل الاتصال الجماهيرية التي تحتفظ بوثائق وملفات الأحداث في جو عاصف وضحايا ترصدهم الكاميرات وتعرض الصور على الشاشات.