إن الهدف الأسمى للقوانين الجنائية في كثير من الدول والمجتمعات هو الإصلاح والتهذيب، وهو الهدف ذاته للعديد من الإجراءات في العدالة الجنائية، مثل: الإفراج الشرطي والاختبار الاحترازي وغيرها من الإجراءات التي تحقق الهدف من تطبيق العقوبة،وتدعيماً لهذا الهدف، قدَّم كثير من العلماء والمختصين في علم النفس وعلم الإجرام كثيرًا من الطروحات التي تذهب في اتجاه تعزيز السلوك الإيجابي للنزلاء والاختيار الذاتي الطوعي الذي ينبذ الجريمة ويعدّ السجن عقوبة.
والمبدأ الصحيح والسليم في تطبيق العقوبة أنْ تُؤخَذ بعين الاعتبار العلاقات السائدة في مجتمع السجين، ومدى تأثيراتها عليهم في المستقبل، ومن ثم تضمين وسائل و برامج تأهيلية وعلاجية وتعليمية وثقافية وتوعوية ودينية، وغايات مضادة للتأثيرات السلبية المترتبة على إقامة السجين، ومن ذلك البرامج التأهيلية الاحترافية، التشغيل الهادف، والأعمال التطوعية التي من شأنها تغيير نسق العلاقات الاجتماعية ونمطها. وهذا ما نصت عليه الاتفاقية الدولية (اتفاقية الأمم المتحدة) أن الحد الأدنى لمعاملة المذنبين والسجناء تشير إلى ضرورة تشغيل النزلاء المحكوم عليهم في المؤسسات الإصلاحية، وهذا يعني وجود التزام أدبي أخلاقي بين الطرفين: النزيل والمؤسسة الإصلاحية، وبحسب مانصت عليه الاتفاقية هو ذاك التشغيل الذي يهتم بالتأهيل الإصلاحي الذي يهدف في مجمله إلى المساهمة في تحضير النزيل للعودة إلى مجتمعه، كما أنّه يسهم في سد احتياجات النزيل المادية داخل الإصلاحية وخارجها. فالعمل داخل المؤسسة الإصلاحية يهذبه ويؤهله لمواجهة المجتمع بعد الخروج، وذلك في حدود الاستطاعة، وهي هنا محددة بالجوانب الصحية. والإدارة والقائمون على أمور الإصلاحية هم من يحددون طبيعة العمل الملائم للنزيل. ويحددون أيضًا آليات وشروط تنفيذ ذلك العمل بما يتفق مع ميول واهتمامات النزيل. فقد نجد أكثر من نصف مليون من النزلاء تعلموا وتدربوا على مهن داخل المؤسسات الإصلاحية ونادراً ما يستخدمونها بعد الإفراج، وهذا يشير إلى خلل في العملية التأهيلية.
ولهذا فإنّ الحق المنوط بالمؤسسة الإصلاحية أن تتخذ إجراءات تنفيذية لمواصلة تعليم جميع النزلاء القادرين على الاستفادة منهم، بما في ذلك تعليم الأميِّين والأحداث إلزاميًا، وأن توجه إدارة السجون عناية خاصة للبرامج التعليمية التأهيلية والدينية المقدمة لهم بحيث يكون في مقدورهم بعد إطلاق سراحهم أن يواصلوا الدارسة أو يستمرّوا في المهن التي تدربوا عليها.
وأخيرًا
تبقى مسؤولية تغيير نظرة النزلاء للمجتمع هي مسؤولية مجتمعية يجب على الجميع المساهمة في تصحيحها من مسؤولين ومختصين نفسيين، واجتماعيين؛ بحيث لاتكون فترة العقوبة سببًا للانتقام من المجتمع، بل يجب العيش وتقبل المجتمع بجميع أنظمته التشريعية والاجتماعية.
** **
- باحثة دكتوراة