«الجزيرة الثقافية» - أعدّ الملف: جابر محمد مدخلي:
الرحيل ليس الرحلة الطويلة وإنما هو تلكم المسافات، والانتقالات المنهكة، والسفر المتقطع، والأماكن التي تسكنك لتلفظك أو تلفظها فلا تبقي لك ما تقتات بها لتذكرها إلا الذكريات.. هذا الطُعم الذي تضعه كل المدن التي نغادرها أو ندخل إليها لنخرج منها ذات حين في «صنّارتها» الثابتة في مداخلها ومخارجها على مدار العصور. وضيفنا حمل على عاتقه حقيبة ظهره منذ طفولته الأولى التي أنجبته في القصيم ثم رحلت به إلى جازان ثم غادرت به إلى الطائف ثم أعادته إلى وسط وطنه -الرياض- الذي يراه ارتكاز روحه وعمره وأمنه، وطمأنينته الهائمة في الحياة المتخيلة قصةً والواقعية المحفلية والإبداعية والكتابية التي امتدت لخمسة عقود لم يضع خلالها حقيبته إلا بعدما اضطره العُمر على ذلك ليعيد كل ما جمعه في حقائبه وترحاله، واشتغالاته إلى أقرب المكتبات الوطنية العظيمة إلى قلبه وقلوبنا معه، وليقدم لها حصاد عقوده، وكأني به يقول: إنّ المكتبة أعطتني وتوجب عليّ أن أودعها وأنا مطمئن عليها في دار لا يمسها العجز من بعدي.. إلى مكتبة الملك فهد الوطنية المأهولة بالعظماء والكّتّاب، الأحياء منهم والأموات.
إنه قاص من الرعيل الأول، وأديب حصد الكلمة وراح ينبتها في كل الجهات والأعمار.. الكاتب والباحث والقاص محمد المنصور الشقحاء هو كل ما كُتِبَ، وكل ما هو قادم من بساتينه ومشاعره وأحداثه وعُمره الفائت والذي نسلط عليه الضوء في الحوار التالي المصاحب لهذا الملف الذي تسعى الثقافية من خلاله إلى توثيق مسيرته وتجربته الحافلة والعامرة بالكتابة المُستدامة، والبحث الحثيث عن المعرفة وفروعها.. فإلى نص الحوار:
* في مجموعتكم القصصية «التحلي» الصادرة عن الانتشار العربي بالعام 2021 قصة بعنوان: «المؤذن» وفيها: «... صبيحة يوم الثلاثاء 26 ديسمبر 2017 فطار النوم والمؤذن يقول: «الجهاد خير من النوم» وسؤالي هنا: ما الذي رآه القاص الشقحاء ليُلهم هذه الحادثة القصصية ، فيما أنّ التاريخ الزمني الوارد بالقصة مُبشر بالهدوء العام؟
- هاجس القصة القصيرة جداً المؤذن جاء عفوياً وأنا أشعر بالأمان وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يختار ابنه محمد بن سلمان ولياً للعهد. بعد أن كانت تداول بين أبناء القائد المؤسس الملك عبدالعزيز. وكلنا نعرف أن الأمير محمد بن سلمان عراب رؤية 2030م وإخراج الوطن من السائد إلى الجديد الذي يظهر أرض الحرمين الشريفين غنية بمواطنها وأثرها وثروتها الطبيعية المنتجة بكل خيرات كنوزها وها نحن سياحيا واقتصاديا نتجاوز موقعنا كدولة نفط بتطوير مصادر الدخل من خلال موقعنا في مجموعة العشرين التي تقود العالم.
* اتصفت حياتكم الشخصية «بالسلمية» كما جاء في حوار أجرته معكم المجلة الثقافية الجزائرية.. لعلّ هذا الوصف منكم لحياة أدبية مشهدية امتدت لعقود كتابية -ولا شك- أنّ فيها جزءًا من الصدامية الصامتة، فهل المشاهد الثقافية التي عاصرتموها كانت جميعها تمتاز بالسِلم والهدوء لتستمر صفة الهدوء المعهودة عنكم دونما مساس؟!
- السلمية والانسحاب بهدوء لحظة الصدام واللجوء لخلوة اختار مكانها حتى أتحاور مع ذاتي الممزقة بين المثقف القلق ومثقف اليقين كما جاء وصفهم في كتاب خالد الحروب المثقف القلق ضد مثقف اليقين.
* كتابكم «فضاء العشق بين الحرف واللون» كتاب مرحلي، وتوثيقي، ووثائقي بدأتموه بالعشرينيات وتحديدًا بالعام 1421هـ، فهل الرحيل الذي يجعلنا نخلّف خلفنا ذكريات كبيرة وكثيرة يُلّح علينا بتوثيقها قبل الزوال؟ وما الذي تبقى في حياة الشقحاء من تلك المعالم المثيرة؟
- كتاب فضاء العشق بين الحرف واللون وثائقي يرصد أعضاء أخوية الأصدقاء بالرياض التي تشكلت عبر اللقاء جمعنا عشق الكلمة واللون وهو إصدار أول لأخوية الأعضاء التي تجاوز العقد العاشر في البدء كنا نلتقي كل شهر في منزل أحدنا ثم كرمنا ثلاثا من دور النشر المهتمة بالكتاب العربي السعودي في حفل عشاء للأصدقاء أثناء إحدى دورات معرض الرياض الدولي للكتاب. ولي تجربة مماثلة مع الاصدقاء في مدينة الطائف المأنوس تحت اسم أصدقاء الكتاب ونحن نلتقي بإحدى زوايا مقهى حدائق نجمة كل ليله. وأثمر ملتقى أصدقاء الكتاب منتدى القصة القصيرة برعاية لجنة التنشيط السياحي بالطائف ونشاط منبري على مسرح المكتبة العامة بالطائف يناقش إصدارات الأعضاء وإهداء نسخ منها للضيوف ومن ثمراته كتاب عن تجربتي الأدبية أعده الصديق محمد سعد الثبيتي وشرفني أعضاء منتدى أصدقاء الكتاب قبل انتقالي للرياض بدرع تكريم يحمل أسماء الأعضاء.
* أربعة عقود طائفية عاشها الشقحاء في خريطة الطائف المكانية والزمانية والنفسية والتذكارية جاءها من جازان تحفه الطفولة والمدن المتجددة.. هل كان الخروج منها إلى الرياض عسير إلى الحد الذي أجبركم على استعادتها، ومغازلتها بالحنين، والوفاء بين كتابٍ وآخر؟!
- الطائف في الوجدان بهويته القاتلة كما أراها وفق ما جاء في كتاب أمين معلوف الهويات القاتلة كان الجميع يراهن على هجرته والانتقال إلى الرياض إنما نبتت بداخلي روح الشنفرى الأزدي والصمة القشيري والصراع الوجودي وحالة العدم التي تلبستني لعدة اسباب فكان الرحيل المر لاستعادة توازني.
* مجموعتكم القصصية الأخيرة: «النور الأزرق» آخر إصداراتكم -حديثًا- وقد حملت عبارة: «أضمومة» بين القصة والقصيدة النثرية، فهل ترون اتصالًا وثيقًا بين القصة القصيرة والقصيدة النثرية يمكنها من التضميم؟ وهل يمكننا اعتماد هذه الأضمومات مستقبلًا اعتمادًا مشهديًا، وفهرستها في المكتبات العربية؟!
- قبل اضمومة النور الأزرق جاءت اضمومة مواطن الصادرة عن نادي الطائف الأدبي عام 2019م نحن نعرف اضمومة الورد والياسمين التي نتهاداها في كل المناسبات وهي الحزمة وهي المجموعة المتنوعة، وإن جاءت هنا سرد وشعر لتثبيت قصيدة النثر أنني شاعر وإن كنت لا أعترف بهذه الحالة كقاص يرى القصة القصيرة سيدة الإبداع، وقد سمت بعض الدراسات النقدية القصة بحقيقة الإبداع. وإن تسأل الأصدقاء لماذا «اضمومة ولم تكن كشكول وقد جاءت من ضم التي هي أقرب للود والعشق.
* «النور الأزرق» مرةً أخرى، وسؤالي: لماذا كان «النور الأزرق»؟ ولم يكن الأبيض، أو الأسود؟ وهل يمكننا اعتبار العنوان متماهيًا مع رواية «الفيل الأزرق» للروائي المصري أحمد مراد المتحولة مؤخرًا إلى فيلم سينمائي؟
- اللون الأزرق هو السماء وهو البحر كوجود أبدي. وهو حسب علم النفس لون الروح الذي يعطي النفس مشاعر الاسترخاء والهدوء وهو لون الإحساس، والحرية والعبقرية، ويفتح الأفق أمام النفس لتتخيل وتبدع. من هنا جاء وليس من رواية الفيل الأزرق التي لم أقرأ. أو صاحبها الذي لا أعرف.
* أهديتم مكتبتكم الخاصة إلى مكتبة الملك فهد الوطنية، هذا التصريح التقطته كجزئية من حوار لكم مع الزميل المبدع الأستاذ بكر هذال بالصحيفة الزميلة الرياض، وتساؤلي: برأيكم ما الذي يدعو الكاتب إلى إهداء ثروة مهمّة كالكتب؟ هل الزمن الحاضر صار مخيفًا للحد الذي نؤمّن فيه رفوف أعمارنا الثقافية لنطمئن عليها، ونثق أنها باتت بأيادٍ أمينة؟
- إهداء افضل من الحرق أو رميها على الرصيف بجوار حاوية الزبالة. مكتبة الملك فهد الوطنية وعاء مأمون قد يجد فيه الباحث الغذاء الفكري والثقافي العام اخترتها لمرحلة جديدة في تدرج فترات تكون مكتبتي المنزلية التي تركز على الكتاب العربي السعودي، وقد وصل عدد عناوينها إلى عشرة آلاف بين شعر وقصة وتاريخ الطائف وتاريخ المملكة العربية السعودية بكل أطوارها والإهداء كما هو إرادة تلبّسته أسباب فأنا فخور به وقد حمل لي شكر أمينها العام، وشكر المشرف العام -آنذاك- أمير منطقة الرياض: سلمان بن عبدالعزيز. والآن لدي مكتبتي المنزلية وقد وصلت عناوينها إلى خمسة آلاف عنوان مع الترشيد.