عبد العزيز الصقعبي
سهل أن تتحدث عن شخصية متخيلة، هذا بالنسبة لي، ومن الصعوبة الحديث عن شخصية حقيقية، أقول هذا وأنا بصدد الحديث هن الصديق العزيز محمد المنصور الشقحاء، أقول الحديث، لأن من المفترض أن ما سأكتبه ليس مقالاً نقدياً يتناول إصدارات الشقحاء، ولا دراسة عن سيرته الثقافية، ولا شهادة عنه أعرّج فيها عن حياته ونشاطه الثقافي، وعلاقاته الاجتماعية قبل الثقافية، أنا هنا أتحدث عن سنوات طويلة ربما ليس لها بداية واحدة، بل بدايات مختلفة، بدايات الحي، المدينة، العلاقات الأسرية، العلاقات الاجتماعية، العلاقات الثقافية، الكاتب والقارئ، رفقة الرحلة، الداعم والمشجع، الصديق القريب البعيد.
في شهادة سابقة تحت مسمى «مشوار توقيع» تحدثت عن حفل تدشين أول إصدار إبداعي لنادي الطائف الأدبي، مجموعة محمد الشقحاء القصصية» البحث عن ابتسامة»، كان ذلك عام 1976م، وهذه المجموعة ليست بداياته بل كان له حضوره الثقافي في الصحافة الثقافية والفنية، لقد أخلص الشقحاء للقصة القصيرة، حتى الآن، ودعم المكتبة السعودية بعدد وافر من المجموعات القصصية، إضافة إلى بعض الدواوين الشعرية، والمقالات، ولكن بكل تأكيد الحضور الأكبر للقصة القصيرة، وفي قصصه كان شاهداً على عصور مختلفة، وراصداً لأحداث اجتماعية وحياتية، عاشها بالذات في الطائف ثم الرياض، نتمنى أن يفطن لها النقاد والباحثون، على الرغم أن هنالك دراسات كثيرة تحدثت عن أدبه، أكاديمية ودراسات عامة، ولكن أشعر أن هنالك الكثير مما يجب أن يقال عن أدب محمد المنصور الشقحاء.
الشقحاء إضافة إلى أنه مبدع فهو ناشط ثقافي، أحب الفعل الثقافي وأخلص له، وارتبط اسمه بنادي الطائف الأدبي، كان من المفترض أن يكون رئيساً للنادي، بل فعلاً تم ترشيحه من قبل الجمعية العمومية، لكنه آثر على نفسه، وتنازل عن رئاسة النادي للأستاذ على العبادي -رحمه الله-، تقديراً له، وبالطبع واكب ذلك نشاط ومساهمة في تبني وتقديم عدد من المبادرات، بالذات في مجال النشر فكان ملف الشعر وملف القصة والمقالات، ليجمع شتات الأعمال الشعرية والقصصية المنشورة في الصحف والمجلات وأيضاً التي لدى أصحابها ولم تجد لها طريقاً للنشر، ليقدمها للقارئ عبر نادي الطائف الأدبي بين دفتي كتاب ورقي، وكان للنادي الريادة في ذلك، نشاطه لم يتوقف عند عمله في نادي الطائف الأدبي، بل أنعش مكتبة الطائف العامة عندما كُلِّف بالأشراف عليها، لتقدم المكتبة عدداً من الفعاليات الثقافية من أهمها ملتقى للسرد على مستوى المملكة، إضافة إلى أنشطة القراءة، وقد خبا صوت المكتبة بعد مغادرته، وأقول تجربته في نادي الطائف الأدبي ومكتبة الطائف العامة يجب التوقف عندها كثيراً، ليستفيد منها كل من يتم تكليفه بإدارة مؤسسة ثقافية لا سيما وأن هنالك مشاريع لوزارة الثقافة تتعلق بالبيوت الثقافية كمثال، حيث إن الشقحاء عُرِف عنه حرصه على تقديم العمل المتميز، ورحابة صدره لكل انتقاد وملاحظة، إضافة إلى أنه لا ينحو للشللية أو تقديم فئة عن أخرى، أو تركيزه على فن أدبي دون آخر، بل يقدم عملاً متنوعاً وفق ما يحيط به من إمكانات.
محمد الشقحاء قارئ نهم، ومحب للكتاب، كانت له مكتبة كبيرة جمعها في مدينة الطائف، وأهداها لمكتبة الملك فهد الوطنية، لتكون من أكبر المكتبات التي أهديت لينال شرف خطاب شكر من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-، ربما بإهدائه تلك المكتبة، يدشن مرحلة جديدة من حياته، حيث انتقل إلى مدينة الرياض، ليصبح شاهداً ورصداً ومتابعاً ثقافياً، ويواصل قراءاته وكتاباته، إضافة إلى حضوره في مواقع التواصل الاجتماعية، وإصداره في الوقت لحالي عدداً كبيراً من الكتب الإلكترونية.
هنالك آلاف الكلمات التي أشعر أنها لا توفي محمد الشقحاء حقه كصديق وأخ كبير، إنه حالة ثقافية مختلفة، وهنا تكمن الصعوبة في الحديث عنه، أتمنى أن يطلع الجميع على كتاب «فضاء العشق بين الحرف واللون» الذي أصدره الشقحاء، وهو كتاب تذكاري وثائقي عن لقاء الإخوة الشهري، فنحن أصدقاء عددنا سبعة ثم شاركنا بعض الأصدقاء لفترة من الزمن وغادروا لظروفهم، وبقينا بين السبعة ولا تقل، وثمانية تزيد أحياناً، نلتقي بصورة شهرية تقريباً حتى داهمتنا الجائحة، فأصبح تواصلنا غالباً عن بعد، سنوات طويلة ونحن نلتقي، نتحدث، ترتفع أصواتنا، نتبادل الكتب، نحتفي بأنفسنا وبالآخرين، فعلاً كنا نحتفي بالآخرين، وبالذات في المناسبات الكبرى مثل معرض الكتاب، ربما الشقحاء كان له التأثير الكبير بحب الفعل الثقافي والتواصل والتعامل مع الآخرين بمحبة مهما كانت مواقفهم.
شكراً أبا خالد، لا أنسى دعمك ومتابعتك لإصدار مجموعتي القصصية الكبرى، وقبل ذلك، جميلك الكبير، برعاية والدي -رحمه الله- عندما أصيب بجلطة وهو في مدينة الطائف وأنا وأخي في الرياض، كنت ابناً له وأخاً كبيراً لنا، يا إلهي، الكلمات تعجز على أن توفيك حقك، جزاك الله كل خير، ومتعك بالصحة والعافية، ودمت مبدعاً.