عطية محمد عطية عقيلان
نحرص طيلة حياتنا على تجنب المصابين بأمراض معدية، حتى لا تنتقل إلينا عند مخالطتهم سواء بانتقال الفايروس أو البكتيريا، وهذه العدوى تنشط أو يساعدها في التمكن منا أسباب عدة منها سوء التغذية أو ضعف الجهاز المناعي أو الأمراض المزمنة والعديد من المؤثرات، ولكن يتم علاجها والقضاء عليها بأخذ الأدوية والمضادات والتغذية السليمة، وتؤدي في الغالب للشفاء، واهتم الطب بتقوية الجهاز المناعي للإنسان، من خلال الغذاء الصحي المفيد، وأخذ التطعيمات المناعية بدءا من الصغر وحتى الكبر لتجنب الكثير من الأمراض، ولكن هناك عدوى لا تختلف كثيرا مع العدوى المرضية، ولكنها للأسف لا تحمل فايروسات أو مايكروبات أو أعراض يمكن أن تظهر على المصاب بها، كما أن الجهاز المناعي لا يكتشفها بسهولة أو يستطيع التعامل معها، وهي «العدوى الاجتماعية» وهي نتيجة ما نمر به حياتنا من علاقات ولقاءات وتجمعات، ولا نتبنه لأثرها ولكنها تؤثر في سلوكنا وطريقة تفكيرنا وردات فعلنا، بل تتعداه إلى مزاجنا في الأكل والشرب، مشكلة هذه العدوى الاجتماعية السلوكية على حياتنا اكتشافها ومعرفتها وعلاجها صعب، لأنها تحمل صفات منها:
- ليس لها أعراض أو يمكن رصدها والتعرف عليها بسهولة، لأن تتستر وتختفي تحت المجاملة والتمثيل والتصنع والمثالية والطيبة والخير... وغيرها من الصفات الإيجابية التي تخدعنا عن الصفات السلبية.
- انتقال هذه العدوى بطئ جدا ويكون عبر سنين وعدة لقاءات واجتماعات وسهرات، ولكن تأثيره قوي، لأنها تتغلغل وتتمكن منا، ويصبح علاجها صعباً إن لم يكن مستحيلا.
- الانخداع الذي نتوهمه بعدم تأثرنا بهم، بل نعتقد أننا محصنون بمناعة عالية جدا، بما نحمله من غرور ووعي وثقافة وفهم وحصانة سلوكية، ولكن سنكتشف عند تغيرنا وتأثرنا بهم، بأنها كانت مناعة مزيفة خادعة مضللة.
- وأصعب المراحل عند اكتشاف تأثير سلبي علينا، لا نأخذ علاج هذه العدوى بجدية ولا نقوم بقرارات حاسمة لتغييرها وبدء التعاطي معها بوعي، بل نستمر بخداع أنفسنا.
- تأثيرها ليس علينا فقط، بل تتعداه إلى علاقاتنا مع أسرتنا وزملائنا وعملنا وصحتنا، في تشعب مدمر لأنها أخذت أثمن ما نملك وأثرت فيه وهو الوقت والصحة والعلاقات
وهذا يدعونا للتنبه إلى أثر من حولنا على جميع الجهات، سواء أصدقاء أو زملاء أو أقارب، والحاجة لتقوية الجهاز المناعي الإنساني، وتحفيزه بمرافقة والاختلاط قدر المستطاع لمن يضيفون لحياتنا بعدًا إنسانيًا بعدوى التفاؤل والإيجابية، يقول العالم ابن خلدون (إذا أردت أن تعرف الإنسان، فانظر إلى من يصاحب، فالطباع يسرق بعضها من بعض، ونأخذ من طباع بعضنا دون أن نشعر»، وهي تأكيد لمبدأ أن التأثير تدريجي بدون أن تشعر ولكنه مؤثر ومغير للسلوك والطباع لأنها عدوى حتما ستصيبنا، وفي الختام أروي لكم حضوري لاجتماع به فكرة جديدة أعجبتني، بما تحمله من بعد تربوي وثقافي وحياتي مختلف، حيث تشرفت بتلبية دعوة من أحد الزملاء حيث خصص كل ليلة يوم ثلاثاء لاجتماع مع أبنائه وأصدقائهم «يسمح لكل واحد منهم باحضار أثنين»، وسط نقاش حول مختلف المواضيع وبين متابعة مباراة وهي تمازج لطيف وظريف وفريد في العلاقة بين جيلين مختلفين يمثله الأب وزملاؤه، وأبناؤه وأصدقاؤهم، لترى تغير وأثر التسارع في الحياة والاطلاع على رؤية الشباب في نظرتهم للعمل والتعاطي مع الفرص وما يجذبه، إن هذا النوع من اللقاءات محفز وإيجابي ويحمل تجربة تضيف لك وتقوي مناعتك الاجتماعية والإنسانية والثقافية، ونختم بمقولة الشمس التبريزي «وجالس جميل الروح، عسى أن تصيبك عدوى من جماله».